> «الأيام» رصيف 22:
لا حرب ولا سلام! هذا هو الوصف المنطبق على الوضع القائم في اليمن الآن. المجتمع اليمني برمّته عالقٌ بين الحالتين، والهدنة التي يصفها كثيرون بالهشة، لا تحقن الدماء، وهوّة الخلاف بين الأطراف المتحاربة منذ أكثر من ثماني سنوات تتسع بنحو أكبر.
جبهات هذه الحرب متعددة، بين أهلية تخوضها جماعة أنصار الله، أي الحوثيين من جهة، والأطراف الموالية للحكومة الشرعية من جهة أخرى، ممثلةً في السلطات العسكرية في المحافظات المحررة، وإقليمية، طرفها الأول السعودية والإمارات، بقيادتهما تحالفًا عربيًا يساند الحكومة الشرعية، والثاني إيران المساندة للحوثيين.
لكبح جماح الحرب بين الطرفين اليمنيين، رعت الأمم المتحدة في أبريل 2022، عبر مبعوثها هانس جروندبرج، اتفاقية هدنة بين الحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله الحوثيين، شملت وقف الأعمال القتالية بين الطرفين.
تم تمديدها في 2 يونيو 2022، وانتهت في أكتوبر من العام نفسه، ثم استمرت عمليًا من دون اتفاق على تمديدها، قبل أن تدخل السعودية بوساطة عمانية في عملية تفاوض لإحلال سلام دائم، إلا أن ذلك اصطدم بشروط الحوثيين، وأهمها صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم.
- هدنة شكلية
خلال ما يقرب من عام ونصف العام، هي مدة أطول وقف شامل لإطلاق النار في الحرب اليمنية التي تقترب من عامها التاسع، والتي تخللتها العديد من المسارات الدولية بحثًا عن تسوية سياسية، لم تتكلل أي محاولة لإحلال السلام بالنجاح بسبب تصعيد الحوثيين العسكري، وتحشيدهم المستمر لقواتهم في مناطق تحيط بمدينة تعز، وكذلك في كل من إب وصنعاء ومأرب.
في التاسع من أبريل 2023، وصل وللمرة الأولى منذ بدء الحرب، وفد سعودي عمانيٌ مشترك إلى صنعاء، للتفاوض مع جماعة الحوثي، وإنهاء الحرب في اليمن.
غير أن المفاوضات تعثرت، وأخذ الحوثيون يهددون بالتصعيد العسكري لرفض تنفيذ شروطهم التي وصفها الطرف الآخر بالتعجيزية، ومنها صرف رواتب موظفي الدولة، ومن ضمنها رواتب جنود وضباط جيش الحوثيين، حسب كشوفات العام الجاري 2023، بينما تطرح الحكومة الشرعية كشوفات 2014، كما تشترط الجماعة أن تتولى هي عملية صرف الرواتب، إلى جانب اشتراط رفع القيود عن مختلف المطارات والموانئ الخاضعة لسيطرتها وأن تجبي إيراداتها لصالحها.
الوفد العماني قام بزيارة جديدة لصنعاء في شهر أغسطس 2023، وتوصل وفقًا لرئيس فريق الحوثيين المفاوض محمد عبد السلام، إلى اتفاق على الاستمرار في أجواء التهدئة، وإبقاء التواصل قائمًا، وكذلك "التشاور مع قيادة الحوثيين، وتقييم المرحلة واستئناف العملية التفاوضية وفي مقدمتها معالجة الملفات الإنسانية".
وهذه المقترحات، تربط بنود الملف الإنساني بالموافقة على تمديد الهدنة ستة أشهر جديدة قابلة للتمديد، مع ضمان قيام الأمم المتحدة بعقد حوار بين اليمنيين، بشأن خلافاتهم في ملفات الرواتب والأسرى والطرقات وتوسيع وجهات مطار صنعاء، وبقاء التسهيلات المقدَّمة لميناء الحديدة.
يقول عضو مجلس الشورى التابع للحوثيين في صنعاء، نائف حيدان، لرصيف22، إن "السعودية وصلت إلى طريق مسدود وإلى قناعة تامة بعد تجربة كل وسائلها في الحرب، بأنها لن تحقق غايتها بالقوة العسكرية، وأن مصلحتها الحقيقية هي في مد يدها لليمن وبناء الثقة لحسن الجوار والتعايش السلمي".
واتهم الطرف الآخر (الشرعية والسعودية)، بتعقيد ملف الرواتب، واستخدامه ورقةً "لتحريك الشارع ضد حكومة الإنقاذ، الخاصة بالحوثيين، وما زال يلعب بهذه الورقة والتعبئة مستمرة حتى اليوم"، على حد تعبيره.
- غياب الرؤية
ويقول لرصيف 22: "منذ إعلان الهدنة، لم تُفتح الطرق أو محال التجارة، ولم تُرفع القيود المفروضة على الناس، ولم تُصرف الرواتب".
ويعتقد د. فارس، أن سبب تقويض جهود التسوية، هو سوء فهم المجتمع الدولي للصراع القائم في اليمن، إذ "يتعامل معه على أنه صراع الأطراف على السلطة، ويرى أن الحل يكمن في تقاسم السلطة وهذا اعتقاد مغلوط".
وبشأن رؤيته حيال التفاوض السعودي الحوثي، يقول إنه فشل، لأن الرياض أرادت التقدم خطوةً في ذلك المسار نتيجة التفاهم مع إيران، لكنها اصطدمت بطلبات الحوثيين التي وصفها بالمستحيلة.
ويتساءل فارس: "علامَ يتفاوض الحوثيون مع السعودية؟ إيقاف الصواريخ، وعدم الاعتداء؟ حسناً، ومشكلة الشرعية اليمنية أين تذهب؟".
- معادلة معقدة
الكاتب السياسي عبد الباري طاهر، يستبعد إيجاد حل في اليمن في المدى القريب، بسبب "ضعف الإدارة الوطنية، وانقسام المجتمع اليمني، وتحويل البلاد إلى كانتونات متباعدة ومتصارعة، والأخطر هو ارتهان الأهلي للإقليمي، وارتهان الإقليمي للدولي".
لكن في المجمل، وفقاً لرؤية طاهر، فإن اليمن واقع في المنطقة التي ما بين الحرب والسلام، ويعزو ذلك إلى فشل الحرب في تحقيق مكاسب لأي من الأطراف مع عدم القدرة على الاستمرار فيها، وفي الوقت ذاته عدم التوافق على حل سياسي.
وفي ما يتعلق بالحلول، وإعادة الدولة، وهندسة المشهد اليمني، يقول طاهر: "لا بد أولًا من صنع سلام يعمّ الأرض اليمنية كلها بإرادة كل أبنائها، وهذا يتطلب إرادةً وطنيةً شاملةً، وإسقاطًا لحاجز الخوف في النفوس".
ويذكر المذحجي، أن جماعة الحوثي في هذا السياق تدير ملف التفاوض الذي كان مجمدًا، وتمضي قدمًا لتعزيز سيطرتها على الأرض وتحقيق المكاسب، مع "تلهف سعودي لاسترضائها، وهذه الصيغة في الأخير تفسد المسائل الأخرى، وتعقّد الوضع كثيرًا".
- صفقة ضيّقة
البعض يرى أن هنالك عجزًا عن فهم طبيعة تصورات الحوثيين، خصوصًا مع استمرار رفضهم لفكرة التسوية، "لأنهم يشعرون بأن الحرب هي البيئة الطبيعية لوجودهم، فيما السلام يلغي الحاجة إلى بقائهم"، حسب ما يقول د. فارس البيل.
ويضيف أن التسوية تحصل بين أطراف متنازعة، مستعدة لتقديم تنازلات، "لكن الأمر مختلف مع جماعة الحوثي، التي لا تمتلك رؤيةً أو قراراً يمكن من خلالهما تحديد طبيعة وجودها في المستقبل السياسي، فهي جماعة خُلقت للحرب فقط، ولم تؤهَّل سياسياً أو أن النظام الإيراني لا يريد لها أن تكون مجرد شريك في المستقبل السياسي وأن تستمر في تعطيل الدولة، وفرض سلطتها عليها دون دفع ضريبة هذه السلطة".
الباحث السياسي وعضو دائرة الإعلام والثقافة في رئاسة الجمهورية، د. ثابت الأحمدي، يعلّق لرصيف22، في شأن مفاوضات السعودية والحوثيين، قائلًا: "في الواقع سواء كانت الصفقة ضيقةً، كما يصفها البعض، أم واسعةً، فإن حقائق التاريخ والجغرافيا والسياسة، تُقرر أنه ما من جماعة عصبوية حربية قد توصّل الناس معها، بالحوار أو التفاوض، إلى حل. هكذا خُلقت الميليشيا، وهكذا تكونت، وهكذا ستبقى، ومن الصعب في مكان حرفها عن طبيعتها".
ويلخّص الأحمدي مستقبل اليمن: "الحرب لن تنتهي، لأن الحوثيين يعتاشون عليها، بل هي مبرر وجود الجماعة في الأساس، وتفضحها الهدنات ومراحل السلام أمام الشعب، ومن جهة أخرى، قرار الحرب أو السلام ليس بيد الحوثيين؛ بل بيد طهران، فالحوثيون جيب وظيفي من جيوب إيران المزروعة في الجسد العربي".