> صلاح السقلدي:

ما تزال المملكة العربية السعودية تنأى بنفسها عن الانخراط بتشكيل حلف عسكري بحري دولي لمجابهة الحركة اليمنية (أنصار الله)، أو الدخول بجولة صراع جديدة مع هذه الحركة العنيدة، وما تزال تقاوم الضغوطات الأمريكية المكثفة، بعد أن صعّدتْ الحركة- التي تسيطر على كل المناطق في شمال البلاد تقريبا-  من وتيرة الهجمات على السفن الإسرائيلية أو تلك التي ترى أنها تشارك إسرائيل المصلحة والتجارة، المارّة عبر مضيق باب المندب جنوبي البحر الأحمر.

 فالمملكة منذ أكثر من عامين حين تقدمت بمبادرة سلام باليمن قد حسَمتْ أمرها بطيّ صفحة الحرب المتعثرة التي تخوضها بمرارة منذ قرابة تسعة أعوام بعد انكسار التحالف العسكري العربي الذي تقوده بمشاركة قوى محلية مناهضة للحركة الحاكمة في صنعاء وتفضّل عوضا عن ذلك استكمال مسيْرة التفاوض مع صنعاء بوساطة عمانية والذهاب صوب تسوية شاملة للأزمة والحرب باليمن بعد أن أعادت الرياض ترميم علاقاتها المتصدعة مع إيران ومع عدد من دول المنطقة والتي كان آخرها سوريا، فالمملكة لديها ما هو أهم للتفرغ له من استئناف حرب أدركت أنها حربا خاسرة ومُكلفة على الخزانة والسمعة السعوديتين وألّا طائل من استئنافها حتى وإن تعاظمت الضغوطات الأمريكية والغربية بوجهها، فلديها استحقاقات داخلية ضخمة ومتعددة تنتظر إنجازها لتمضي بالمملكة إلى فضاءات الحريات العامة والانفتاح، ولتعزيز موارد الاقتصاد وتحريره من قبضة الاعتماد حصرا على عائدات النفط، فهي تقول صراحة أن على الولايات المتحدة ألا تحرجها بالدخول بجولة حرب جديدة في مثل هكذا وقت مهم وحساس للمملكة وأمام حركة عنيدة صعبة المراس، وأن على واشنطن -بحسب مسؤولين سعوديين- ضبط النفس في الرد على هجمات الحوثيين، وأن المملكة حريصة على تجنيب اليمن مزيدا من القتل والدمار والخراب.

– الولايات المتحدة فشلت حتى اللحظة في إقناع دول عربية مطلة وغير مطلة على البحر الأحمر مثل مصر و الإمارات العربية المتحدة، ناهيك عن السعودية لتشكيل قوة جديدة بالبحر الأحمر وخليج عدن، مع أنها أي الولايات المتحدة ليست بحاجة أصلا لإنشاء قوة بحرية جديدة بالبحر الأحمر إن كان ثمة استعداد لدى دول أخرى غيرها بضرب القوات اليمنية سواء بالبحر أو البر فيكفيها تفعيل التحالفات التي شكلتها بالسنوات الماضية مثل قوة المهام المشتركة (153)، التي أعلنت القوات البحرية الأمريكية تشكيلها في أبريل 2022م من 60 دولة مِن بينها إسرائيل.

–  فرنسا التي تتساوق مع الرغبات الامريكية الإسرائيلية هي فقط من لديها الرغبة حتى الآن ولو على استحياء في المشاركة في حماية المصالح الإسرائيلية والتصدي للقوات اليمنية، فقد أعلنت إحدى فرقاطاتها بالبحر الأحمر التصدي لطائرتين مسيرتين يمنيتين وأسقطتهما- بحسب مصادر فرنسية- فحتى إسرائيل تتهيب المشاركة المباشرة بالاشتباك في البحر الأحمر خشية توسع وتعدد جبهات القتال مع محور المقاومة، فنل أبيب تصبُّ كل جهودها في السعي لهزيمة القوات الفلسطينية (حماس) في قطاع غزة والتصدي لهجمات حزب الله في الشمال، وتخشى تبديد هذا الجهد بأكثر من جهة في وقت تغرق فيه قواتها في غزة، وتستجدي الولايات المتحدة لتنوب عنها بضرب قوات الحركة الحوثية المتحفزة بالبحر الأحمر والتي باتت تشكل تهديدًا على المصالح الإسرائيلية وتطال صواريخها ومسيراتها مدينة إيلات وتفرض حصارًا بحريًا على إسرائيل- بحسب تأكيدات إسرائيل نفسها.

بالمُجملِ - وعطفا على استطالة حرب غزة التي دخلت شهرها الثالث وعلى إصرار واشنطن التي اجهضت قبل أيام قرارًا أمميًا سعى لوقف الحرب، على استمرار تدفق دعمها العسكري والسياسي السخي لإسرائيل- تبدو الأوضاع مرشحة للتفاقم بأكثر من جبهة، وأبرزها جبهة البحر الأحمر و باب المندب، فسعي واشنطن مستمرا بلا هوادة لجر حلفائها ومنهم المملكة السعودية الى مستنقع حرب جديدة مجهولة النهايات والكُلفة، فهل تصمد الرياض أمام هذه الضغوطات وتروغ عنها؟، نتوقع هذا ونأمل حدوثة، فاليمن شمالا وجنوبا مُثقّلة بأحمال مِن العناءِ والبؤس وبالشعور بالضياع والسير صوب هوّة مجهول سحيقة لا قرارة لها، ولا تقوى على تحمل المزيد.