على مر الحقب السياسية في الجنوب و خاصة عدن، فقدنا الكثير من معاني وقيم تلك الفترة التي زالت -وللأسف- من بين جنبات حياتنا اليومية، فلم يعد سؤال الجار عن جاره محل اهتمام فقد انشغلت اهتمامات الناس بمسائل وقضايا أخرى أهمها وأخطرها كان الاستقطاب السياسي الذي نخر في جسد أهالينا، وجعل منهم متنحارين متناسين لأبسط موجهات تلك الحياة. احتياج الجار لجاره في وقت الشدة، سؤال الجارة لجارتها عن شيء ناقص في بيتها هي بحاجة إليه.

التجمع بين الأهل والجيران، سؤالنا عن بعضنا، كل ذلك لم يعد له أي وجود أو استشعار من أحد. فالجمود قد شكل جدارًا فاصلًا وعازلًا عن كل إحساس بالسؤال ذاته وعدم الاهتمام. الهوس السياسي والفوارق التي فصلت بين مجتمعنا الداخلي وجعل منا مجرد أرقام تكتب ومصالح تكتسب فقط لا غير.

أين موقعي اليوم من كل ذلك؟ تلك هي المأساة بحق وهو جرم حقيقي نرتكبه بأيدينا تجاه بعضنا البعض. دعونا نستغل هذه الأشهر بأن نعيد سياق هذه القيم والمعاني لعدن، وأن نكون أكثر بعدًا عن ترهات السياسة ودواعيها ومكتسباتها التي أغرتنا وأغوتنا عن أهم ما في الحياة وهو التجانس والتعايش والتقرب من بعضنا، ونتلافى بذلك البعد والتنافر البغيض. مصالحنا في تقاربنا وتعاضدنا بعيدًا عن من يكون هو المتفرد.