> المستشار: أحمد علي محمد جحاف:
- مقدمة
حتى الأنبياء والرسل كانوا في كل أفعالهم وأقوالهم ينفذون الفهم العقلاني لنصوص الرسالات، يجتهدون بعقولهم، ويستشيرون ويستعينون بالعارفين ذوي العلم والاختصاص في التخطيط والتنفيذ وتطوير وسائل التنفيذ،(( يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها)) ...((قال الذي عنده علم من الكتاب...))
وكانوا عليهم الصلاة والسلام موطن خطأ أو قصور في بعض المواقف والمسائل الدنيوية، ويحضر الوحي فورًا للتصويب والتعديل.
- الدكتاتورية
أما في تاريخ الدولة الإسلامية فقد حضرت الدكتاتورية بكل أنواعها وأشكالها، منذ السقيفة {حين جعلناها قرشية قبلية، ثم قرشية وراثية، ثم سلالية، وعلى نفس النسق أيوبية، ثم مالكية ….ثم ماركسية اشتراكية، ثم ناصرية يسارية، ثم صدامية فردية، وهكذا} ووصل الأمر إلى طغيان هوية الحاكم على هوية الوطن وهوية الدولة حيث حملا هوية الحاكم، على سبيل المثال {أموية- عباسية- فاطمية- أيوبية} وزاد البلاء أكبر بلوى تقزيم وتأطير الدين والعقل في أطر ضيقة، هو إطار الحاكم، على سبيل المثال {سنة- شيعة- وهابية- إخوانية- داعشية وهكذا} وكل منها يكفر الآخر، ويرفض التعايش معه، والقبول به، فكان الصراع والحروب وسفك الدماء والتهميش والسجون والحرمان من الحقوق، وحضر التخلف والفشل الكامل في كل المجالات، وتلاحقت الهزائم ومنها {48 - 67 - ثم هزائم صدام} واحتلت الأرض وانتهك العرض، وصارت الأمة في أدنى السلم بين أمم الأرض، وسوف تكون كذلك يوم العرض.
- الديمقراطية
بذلك وصلت بريطانيا وفرنسا إلى العلا، والأمريكي على عرش الدنيا استوى، أمطري حيث شئتي فخراجك إلي، يا دنيا الهوى، والدول الأسكندنافية أصبحت وكأنها في جنة المأوى، ونحن مازلنا ندور وندور في فلك الردى، في أحضان الدكتاتورية وبين مخالبها ننزف الدماء، نموت ونجوع وأسرى للحروب وويلات الكروب، ولا زالت أم قشعم هي عشيقتنا اللعوب.
عصر الرسل والأنبياء انتهى، وجاء عصر تطبيق ما جاءوا به من الهدى، عبر ديمقراطية تنتج دولة تحكم بدستور وقانون، وتحقق العدل للجميع، وترتقي بوطن يبنيه وينعم بخيره الجميع، والشيطان عدو للجميع، ومواطنة متساوية للجميع، والحريات بكل أنواعها مضمونة للجميع، وعدل الله في كل شيء ينعم به الجميع.
الديمقراطية ليست دين ولا هي علمانية، هي وسيلة، وللعدل آلية، وخير سبيل لتداول الحكم بطريقة سلمية، وإنتاج دولة مؤسسات حديثة تستوعب وترعى خصائصك الدينية والقومية والعرقية والفكرية مهما كانت وكيفما كانت، ويكون فيها دور الموظف من الرئيس إلى الغفير هو تنفيذ والعمل وفق القانون، لا اجتهاد ولا رأي، وألا إرادة تعلو على سيادة الدستور والقانون.
الديمقراطية ودولة المؤسسات الحديثة المنتجة عبر الديمقراطية، لا تتعارضان مع الإسلام بل هما آليتان لتحقيق عدل الإسلام، والذي يعني العدل بشكل عام، فالعدل هو العدل وهو قيمة ثابتة في كل زمان ومكان، والمتغير المتطور هو آليات تنفيذ العدل، وآلية تنفيذ العدل تطورت من رسول لأخر، ومع تطور الإنسان لتصل في هذا العصر إلى نظام الدولة المؤسساتية الديمقراطية، أيضًا لا تتعارض بأن يكون لنا {مرجعية روحية مقدسة عليا}، بما لا يخل بسيادة الدستور والقانون، وهي أيضًا آلية للحفاظ على منظومة الفضيلة والأخلاق وكل قيم الإنسان، فلا قلق بشأن تلك القيم.
أكرر... تستوعب وترعى خصائصك الدينية سواء كانت إسلامية أوغير إسلامية، ولا مشكلة في الإسلام إطلاقًا، بل في فهمنا وتطبيقنا للإسلام.
الديمقراطية، والدولة المؤسساتية الحديثة هما نتاج تراكم معرفي، وكم هائل من علم وخبرات وتجارب الإنسان عبر كل العصور والأزمان، من أجل تطبيق عدل الله في أرض الله، وتمكين الإنسان من القيام بمهام الاستخلاف من بناء وتنمية وصنع رفاهية الإنسان وإعمار أرض الله يا عباد الله.
- خاتمة
كفانا الله شر الدكتاتورية، وأسبغ علينا نعيم الديمقراطية، إنه سميع مجيب الدعاء، ولا يكفي الدعاء دون العمل فعلينا العمل من أجل ذلك.