أراد حكيم أن يعلم أبناءه درسا في قوة اتحادهم، فأعطى كل واحد منهم عصاة وطلب منه كسرها فكسرها، ثم أعطى كل واحد منهم عصاة أخرى فقال اجمعوها ببعضها فجمعوها حزمة واحدة، فطلب منهم كسرها فحاولوا فلم تنكسر، فقال لهم يا أبنائي كونوا هكذا حزمة واحدة تشد بعضها فيصعب كسرها ولا تكونوا عصاة فتكسر واحدة تلو الأخرى، فقال الشاعر مبينًا حقيقة ذلك:

تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرًا .. واذا افترقن تكسرت آحادًا

إن قضايا العمال وحقوقهم المعلقة لدى الحكومات المتعاقبة منذ سنوات معضلة شائكة ليس بالسهولة معالجتها، فالعمال شركاء في المعاناة وضيق المعيشة ومطالبهم واحدة، فبالإمكان جمعها في ملف واحد تحمله عنهم النقابات كممثل لهم، إذ ليس للعمال إلا أن يختاروا لأنفسهم نقابات كفوءة ويصطفوا خلفها بقوة يساندونها ويؤازرون جهودها التفاوضية مع أصحاب العمل.

أصحاب العمل في الشركات والمصانع والمؤسسات الخاصة أو المرافق والإدارات الحكومية، في الغالب ليس من مصلحتهم وجود عمل نقابي كفؤ وقوي، ولهذا خلخلة وحدة الصف النقابي وتشتيت جهوده وإفراغه من محتواه هدف لهم، حتى لا تؤثر قوة النقابة على أداء تلك المؤسسات ويزيد من أعبائها المادية والمعنوية، وكلما تشكلت نقابات قوية متماسكة صلبة كلما كان أصحاب العمل في مواجهة معها، وفي الغالب ستخضع تلك المؤسسات لضغط النقابات وتستجيب لمطالبها إن عاجلًا أم آجلا.

هناك في العمل النقابي حق من الحقوق النقابية التنظيمية يتمثل في التضامن والتعاضد النقابي لأعضاء النقابة الواحدة أو بين النقابات المتنوعة أو في الاتحادات المختلفة للاتحاد العمالي الواحد أو الشراكة الدولية للاتحاد العمالي المحلي مع الاتحادات الإقليمية والدولية، وهذا التعاضد أو التضامن النقابي يمثل قوة ضاغطة مضافة تأتي من خارج المؤسسة في إطار الدولة أو من خارج حدود الدولة بتضامن النقابات المماثلة أو الاتحادات العمالية المشتركة في العضوية من خارج الحدود.

قد لا يهتم البعض بأن للعمل النقابي حق المشاركة في رسم السياسة الاقتصادية للدولة وتقدير مستوى الأجور والمرتبات وسائر الاستحقاقات العمالية المالية والإدارية التعاقدية والتأمينية، وتجتهد النقابات دوما في تحسين ظروف العمل وحماية حقوق العمال، فأنى لها أن تحقق ذلك إن لم تكن محصنة بوحدة الصف والثقة المتبادلة بين القيادة النقابية وقواعدها العامة والفرعية.

المعلمون على سبيل المثال وهم السواد الأعظم في قوام الخدمة المدنية والقوى العاملة يعتبرون قوى ضاغطة ذات قواعد نقابية هي الأكثر على مستوى النقابات العمالية والمهنية، ولهذا يعد الحراك النقابي التعليمي والتربوي أكثر انتشارا، فاحتجاج المعلمين وإضرابهم عن العمل يحدث ضررًا يلحق بالمجتمع ككل بتوقف العملية التعليمية، لكن كيف يستثمر العمل النقابي حراك المعلمين واحتجاجهم بالإضراب أوغيره في الدفع نحو تحقيق مكاسب نقابية تضامنية لسائر العمال، وبالأخص عند مطالبة نقابات التعليم باستحقاقات عمالية موحدة كبدل غلاء معيشة وعلاوات وتسويات وظيفية أو رفع مستوى الأجور والمرتبات، فهذه كلها حقوق عامة لا تخص المعلمين فقط، ولأنه وكما هو معتاد في كل الاحتجاجات العمالية المنفردة تضيع الحقوق نتيجة غياب دور التعاضد والتضامن النقابي، والاعتماد على القدرات الذاتية الفردية في التفاوض لكل نقابة على حدة وهذا مالم ولن تحقق أي مكاسب مشتركة، بل على العكس قد يحدث نتيجة للتفاوض الانفرادي تجزئة المستحقات وترحيل المعالجات وتعطيل جهود التعديلات لأي قوانين من شأنها ترفع مستوى الأجور والمرتبات، وهذا ما لمسناه على الأرض عندما خرج المعلمون منفردين يطالبون بمستحقات عمالية من العلاوات والتسويات وهيكلة الأجور، فلم تعرهم الجهة الحكومية أي اهتمام بل اتهمت نقابتهم بتعطيل العملية التعليمية وإلحاق الضرر بمستقبل الأجيال، وكسرت إضرابهم أكثر من مرة باستخدام وسائل شتى، أبرزها سياسة فرق تسد وضرب النقابة ببعضها، والسبب المباشر يعود إلى قصور في فهم أهمية دور التعاضد والتضامن النقابي وتخلي النقابات العمالية الأخرى في الاتحادات الفرعية والعامة عن دورها التضامني، الذي قد يصل بالاحتياج إليه إلى درجة التضامن النقابي المحلي والإقليمي والدولي، أما للمهنة الواحدة أو للاتحاد العمالي العام عن كيفية التضامن والتعاضد النقابي.