> "الأيام" القدس العربي:

أعلن الحوثيون استهداف حاملة الطائرات «إيزنهاور» المتمركزة في البحر الأحمر مرتين، وينفي البنتاغون هذا الخبر، غير أنه توجد معطيات سابقة تفيد باحتمال صحة ادعاء الحوثيين. وفي حال حصول هذا الحدث العسكري، فهذا يعني الكثير عسكريا وأخبارا جد سيئة للولايات المتحدة مستقبلا.

في هذا الصدد، أعلن الحوثيون الجمعة من الأسبوع الماضي استهداف «إيزنهاور» ردا على غارات أمريكية وبريطانية أسفرت عن مقتل 16 شخصا في اليمن، وعادوا لتأكيد استهداف ثان في اليوم الموالي، أي السبت من الأسبوع الماضي لحاملة الطائرات نفسها. غير أن البنتاغون نفى نجاح الحوثيين في المرة الأولى ولم يصدر بيانا حول الهجوم الثاني.

في البدء، إن إصابة حاملة طائرات بصاروخ أو بضعة صواريخ حوثية قد يسبب بعض الخسائر المحدودة بحكم ضخامة حاملة الطائرات، لأن الصواريخ القادرة على إلحاق ضرر حقيقي أو إغراق حاملة طائرات لا تمتلكها سوى الصين حاليا وهي صواريخ عائلة  DF-21D وDF-26D. وتعمل روسيا على تطوير صاروخ Zmeevik لتولي هذه المهمة.

ويتعلق الأمر بصواريخ فرط صوتية شديدة الانفجار، ويجب استعمال قرابة عشرين منها لتدمير حاملة طائرات. وتعتبر حاملة طائرات جيشا متنقلا لأن اسمها الحقيقي هو «مجموعة القتال» المكونة من عدد من القطع الحربية حيث تجر معها سفنا وغواصتين، وكل حاملة طائرة تمتلك من القوة ما يفوق جيوشا أوروبية. ويبقى السؤال الجوهري هو: ليس نسبة الخسائر التي سببها الحوثيون في حالة ضرب حاملة الطائرات، لأنها ستكون محدودة، بل هل تجاوزت الصواريخ الحوثية أنظمة الدفاع الأمريكية؟

اعتادت الدول خلال النزاعات إخفاء خسائرها العسكرية حتى لا تكشف نقاط الضعف للعدو. ومن ضمن الأمثلة البارزة في هذا الصدد، كانت صواريخ سكود التي أطلقها العراق إبان حرب 1991 ضد إسرائيل قد ألحقت خسائر بالكيان، وادعت واشنطن اعتراض كل الصواريخ في حين لم يتجاوز عدد الصواريخ التي تم اعتراضها 52 في المئة.

وتكرر الأمر نفسه مع  حرب تموز بين حزب الله وإسرائيل سنة 2006 كانت خسائر إسرائيل في الدبابات والمدرعات كبيرة ونفت إسرائيل سنة 2006 وقوع خسائر، ومع مرور السنوات تم الكشف عن المعطيات الحقيقية وتمثلت في تعرض أكثر من مئة دبابة ومدرعة للاستهداف بين التدمير والإخراج المؤقت من العمل الحربي. وعليه، في مثل هذه الحالات، ومنها رواية الحوثيين باستهداف حاملة الطائرات، تفيد قراءة المعطيات العسكرية الميدانية وتقييم نوعية الأسلحة المستعملة بالتوصل إلى نتائج تلقي الضوء على هذا الملف.

في المقام الأول، يمتلك الحوثيون صواريخ باليستية متطورة، وتبين هذا من خلال ضرب مطار خالد العسكري في العربية السعودية أواخر 2017 حيث فشلت أنظمة باتريوت في اعتراض تلك الصواريخ. في تلك الفترة، نشرت جريدة «نيويورك تايمز» يوم 4 ديسمبر 2017 نقلا عن معهد تخصصي في دراسة الصواريخ أن الأمر مقلق للغاية لأنه يمس الأمن القومي الأمريكي الذي يعتمد على صواريخ باتريوت ضمن أخرى، ويدعو إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار تقدم بعض الدول في صناعة السلاح مثل كوريا الشمالية وإيران التي لا تعد مرجعية في التصنيع الحربي مثل روسيا. ولقد مرت سبع سنوات عن ذلك الحادث، وصاروخ 2024 أكثر تقدما في المناورة والقوة التفجيرية والتصويب والمدى من صواريخ 2017. ويكفي أن صاروخ 2024 الحوثي يصل إلى الأراضي المحتلة في فلسطين، وفرض معادلة جديدة وهي تغيير الملاحة العالمية بجعل نسبة هامة من السفن تفضل المرور عبر جنوب أفريقيا بدل قناة السويس.

في المقام الثاني، كشفت المجلة المتخصصة في القضايا الجيوسياسية والتسلح «ذي ناشيونال إنترست» في مقال خلال بداية فبراير الماضي بأن «صاروخاً مضاداً للسفن أطلقه الحوثيون في البحر الأحمر، كاد بداية فبراير أن يضرب المدمرة الأمريكية يو إس إس غرافيلي، وبقي له فقط ميلا واحدا قبل أن يتم إسقاطه بواسطة نظام الأسلحة القريبة للسفينة (CIWS) وهو مدفع رشاش آلي موجه بالرادار، قادر على إطلاق 4500 طلقة في الدقيقة».

ويعتبر الأمر خطيرا للبحرية الأمريكية، إذ إن الصاروخ تجاوز جميع أنظمة الدفاع الجوي التي تحمي المدمرة، بما فيها نظام «إيجيس» المتطور جدا، والمخصص لحرب النجوم. وجرى استعمال الحاجز الأخير في الدفاع عبر مدافع الرشاش CIWS التي تضرب الصاروخ بآلاف القذائف الصغيرة جدا التي هي عبارة عن رصاص، وهذا يسمى بالمواجهة بالسكين، أي عندما يخسر الجندي كل رصاصه ويضطر إلى اللجوء للسكين للدفاع عن نفسه أمام هجوم الخصم. وبالتالي، قد يكون الأمر قد تكرر هذه المرة، ونجح صاروخ أو مسيرة في ضرب حاملة الطائرات وإحداث خسائر طفيفة جدا.

يمكن تجاوز البتريوت، لكن تجاوز نظام «إيجيس» مقلق للبنتاغون. ويذكر أن البنتاغون استعمل هذا النظام لاعتراض الصواريخ الباليستية الإيرانية التي ضربت إسرائيل يوم 14 نيسان/أبريل الماضي.

في المقام الثالث، خلال ارتفاع التوتر مع إيران مثلما حدث خلال نوفمبر 2019 يعمد البنتاغون إلى إبعاد حاملة الطائرات عن الخليج العربي بحوالي 700 ميل تجنبا لمفاجأة من الصواريخ الإيرانية، ويبدو أن طهران أعطت للحوثيين صواريخ متطورة تهدد حاملة طائرات. وكانت إيران قد أجرت مناورات حربية نهاية يوليو 2020 بعنوان «مناورات الرسول الأعظم الـ 14» حاكت سيناريو إغراق حاملة طائرات من نوع نيميتز، واعتبرتها واشنطن وقتها بـ«المناورات المتهورة وغير المسؤولة».

يوم 23 سبتمبر 2020 نشرت إيران شريط فيديو قامت بتصويره طائرة مسيرة يظهر تحليقها فوق حاملة طائرات أمريكية، وكررت التجربة خلال أبريل 2021 وكل هذا يعني، توفر إيران على صواريخ قادرة على إلحاق الضرر بحاملات الطائرات، وإذا كانت مسيرة قد حلقت فوق هذه السفينة العملاقة، فهي قادرة على ضربها كذلك.

في المقام الرابع، لم يعد البنتاغون يستهين بقدرات الحوثيين النوعية، فقد أسقط الحوثيون ست مرات طائرات الدورن المتطورة «إم كيو 9». وتعتبر العملية البحرية ضد الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب الأكبر من نوعها للبنتاغون منذ الحرب العالمية الثانية. وعلاقة بهذا، وصف قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، الأدميرال براد كوبر، منتصف مارس الماضي العمليات في منطقة البحر الأحمر وباب المندب بأنها «أكبر معركة تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، سفننا الحربية منخرطة في القتال. وعندما أقول منخرطة في القتال، فهذا يعني أننا نطلق النار عليهم، وهم يطلقون النار علينا ونحن نرد عليهم».

في غضون ذلك، الكثير من الحروب تكشف عن أسرارها بعد مرور فترة زمنية قد تكون قصيرة أو طويلة، وما يجري في الحرب التي اندلعت بعد طوفان الأقصى ومنها في البحر الأحمر واحدة منها. إلا أن الخلاصة مما حدث هو وعي البنتاغون بأن بعض دول الجنوب أصبحت قادرة على إنتاج أسلحة لها تأثير في مجرى الحروب بشكل نسبي الآن ولكن بقدر أكبر مستقبلا.