من رصدوا تجربة النظام العصبوي السابق بموضوعية يجدوها قسّمت الجنوب إلى ثلاثة قوالب:
قالب الهيمنة بالثأرات وخص به شبوة وإلى حد ما أبين، قالب الهيمنة بنموذج تعز وحاولوا أن يديروا به عدن ولحج، وقالب الهيمنة بنموذج تهامة أريد أن تدار به حضرموت والمهرة، ولولا الله ثم الحراك الجنوبي الذي تواصل حتى قيام الربيع الإخواني الذي من جرائه سقطت عصبوية "الدّيْوَلة العفاشية الأحمرية" فجاءت طائفية الحوثي واقتلعها، لظلت السياسة تسير ببطء وبنجاح في الجنوب.

انتهى الثأر بعد صلح الإنجليزي "انجرامس" الذي بدأه في حضرموت، وتحول القصاص في القتل من مسؤولية الأسرة والقبيلة إلى مسؤولية السلطة ومحاكمها، ثم اقتدت به سائر السلطنات والإمارات في شبوة بالذات، أما سلطة ما بعد الاستقلال فتعاملت مع القتل بحزم بحيث لا يتحوّل إلى ثار بل يتم القبض على القاتل وينال جزاءه وفقا للقانون، وجاءت مرحلة الوحدة فتحوّل الثأر إلى استثمار عصبوي في شبوة، فبعض الدول الاستبدادية إما أن تكون سلطة الدولة قامعة، كتجربة الاشتراكي أو تترك المجتمع يقمع بعضه بعضا كتجربة العصبوية والثأر أحد وسائلها بعد الوحدة، لذا كان الثأر وسيلة قمع ناجحة لشبوة ليستمر نهبها وهي مشغولة بثأراتها.

اندلعت الأسبوع الماضي ثأرات في أربع مديريات هي: الصعيد، وعسيلان، ونصاب، وحبان، ولكل منها ظروفها، إنما الثأر يستقوي ويصير دولة حين يضعف أمن السلطة ومحاكمها في معالجته، ووجوده الآن هو امتداد لرعايته منذ قيام دولة الوحدة، فقد وقعت في عتق أول حالة ثأر وكان حينها الشيخ "عبدالله الأحمر" في المحافظة وقال قولته الشهيرة: الثأر ريال في جيب القبيلي، والمعنى من ذلك واضح أن لا مسؤولية للدولة في هذا الشأن بل مسؤولية أسرته وقبيلته.

من السذاجة أن جعل بعضهم من اندلاعها هذه الأيام تبرئة لنظام عفاش بشقيه المؤتمر والإصلاح فهي ما زرعت الثأرات إنما غصّت طرفها عن القتل حتى تحول إلى ثأر وبعدها اكتفت بتحريكه وتوظيفه.

إن المرحلة الراهنة هي امتداد لسابقتها، فالجهات المستفيدة منه لا تحتاج أن تزرعه إنما تحتاج إلى قدوة تبعثه ثم يتم تغذيته وتحريكه عبر نقاط يتم اختيارها بعناية لتحريك الثأر، هذه القوى هي التي وضعت نشاطه في "الفريزر" في مرحلة سابقة في شبوة ثم انبعث بعدها.

إن معالجته ليست مستحيلة مع أنها في مرحلة التجاذبات السياسية لن تنجح كما نجحت تجربة "انجرامس" فتلك التجربة كانت فيها مصداقية وأيضا جاءت والقبائل قد تحققت لديهم الرغبة في المعالجة، وهي حالة لم تصل إليها الآن، إنما على السلطة أن تتحرك وتفعّل الأمن والمحاكم وإجراءات تنفيذ الأحكام، فالقبيلي إذا استشعر مصداقية في نَفَس الدولة تخفُت عصبويته، مع الاعتماد على بعض الإجراءات التقليدية للمساعدة في الحلول أو التهدئة أن تعذّر الحل.