السياسيون بصورة عامة يعالجون قضاياهم بانتهاج استراتيجيات متتالية تقوم على الاختبار والتقييم وهو ما يمكن إطلاق تسمية "استراتيجية التوالي" عليه والتي تبدأ باختبار فعل معين ومراقبة ما سينتج عنه في علاقة جوهرها السبب والنتيجة، ويقومون أيضًا بتنفيذ" استراتيجيات متوازية" وهذا يعني قيامهم  ببذل جهود متعددة في نفس الوقت وبصورة متوازية لتحقيق الأهداف المرجوة.

ويتوقع المرء أن السياسيين في بلادنا لا يختلفون عن باقي الساسة، فهم ينتهجون استراتيجيات متوالية ومتوازية، أو هذا ما يجب افتراضه. هذا يعني عدم التوقف أمام عقارب الساعة لانتظار ما سينتج الفعل (أ) حتى يتم البدء بالفعل (ب).

وبالاستناد إلى هذه الرؤية فإن حل القضية الجنوبية يتطلب انتهاج المتواليات والمتوازيات في الاستراتيجيات حتى لا يقع السياسي الجنوبي حبيس الوقت أو الانتظار للنتيجة بعد الفعل وتعقيدات ذلك الانتظار المتوالي الذي قد لا يؤدي إلى الهدف المطلوب.

إن انتهاج الاستراتيجيات المتوازية لحل القضية الجنوبية ستساعد كثيرًا على إنجاز المهام الواردة في الرؤية السياسية للمجلس الانتقالي (2017م)  ومحتوى الميثاق الوطني الجنوبي (2023م) وذلك من خلال الاستفادة من الشراكة القائمة لتعزيز دور المجلس الانتقالي داخل منظومة السلطة الشرعية المعترف بها دوليًّا من أجل تحقيق التفاعل مع الشركاء وإقناعهم بضرورة حل القضية الجنوبية كشرط للاستمرار في الشراكة.

ولحسن الحظ هناك معطيات أو أوراق كثيرة بيد المجلس الانتقالي الجنوبي يستطيع من خلالها لعب دور المؤثر لمسار التفاعلات السياسية داخل السلطة الشرعية بقسميها الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي.

استراتيجية الفعل المتوازي تعني أيضًا بذل الجهد لتعزيز دور المجلس الانتقالي في السلطة الشرعية بكل هيئاتها، والعمل في نفس الوقت لتعزيز التواصل مع شعب الجنوب ومؤسساته القائمة والبناء على ما حققته لجنة الحوار الجنوبي في الفترة السابقة، وجعل ميثاق الشرف الجنوبي الذي صادق عليه 38 مكوّنًا جنوبيًّا بمثابة المرجع السياسي لتحركات القيادات والهيئات الجنوبية والمرجعية الضابطة للخطاب السياسي الجنوبي.