> «الأيام» غرفة الأخبار:

​بتهمة الجاسوسية والعمل لمصلحة المخابرات الأجنبية، نفذ الحوثيون أوسع عملية اعتقال طالت العشرات من الموظفين والعاملين في العديد من المنظمات الأممية والدولية، والسفارات الأجنبية لدى اليمن.

بعض ممن جرى اعتقالهم عملوا سابقًا مع منظمات إغاثية دولية، وصاروا في حكم المتقاعدين، إلا أن جماعة الحوثي وجهت لهم تهمًا بالتآمر وتنفيذ مخططات تخريبية في اليمن.

ومن شأن حملة الاعتقالات هذه أن تقطع آخر صلة بين العالم وبين اليمنيين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، ولا سيما أن الموظفين المعتقلين يعمل الكثير منهم لدى منظمات معنية بالإغاثة والأعمال الإنسانية، وتساهم في تقديم المساعدة لليمنيين.

في 10 يونيو الماضي أعلنت جماعة الحوثي إلقاء القبض على شبكة تجسس أمريكية إسرائيلية، واتضح حينها أن أغلب المقبوض عليهم هم موظفون سابقون لدى السفارة الأمريكية ولدى الأمم المتحدة وموظفون لدى منظمات دولية أخرى.

وسرعان ما نشرت الجماعة ما قالت إنها اعترافات لموظفين لدى سفارات ومنظمات أممية، من بينها الاعتراف بتقديم دراسات تفصيلية للمخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي عن القدرات العسكرية للجماعة، ورصد التحركات والقدرات الاستراتيجية والتكتيكية ومسرح العمليات العسكرية اليمنية.

واستندت مزاعم الحوثيين بخصوص تهم التجسس إلى أرشيف السفارة الأمريكية، وبيانات أممية، تتعلق بمهام وظيفية عادية كان يقوم بها الموظفون المعتقلون أثناء عملهم مع تلك المنظمات، ولا سيما أن عددًا ممن تم اعتقالهم تركوا عملهم لدى تلك المنظمات منذ سنوات، منهم على سبيل المثال عبد المولى أحمد محي الدين، وهو رجل كبير في السن، عمل سابقًا مستشارًا لدى الجمعية الألمانية للتعاون الدولي "GIZ".

والغريب أن الجماعة وجهت للمعتقلين تهمًا تتعلق بالتآمر لتدمير القطاع الزراعي والحيواني، كما هو حال المعتقل عامر الأغبري، الموظف السابق في السفارة الأمريكية بصنعاء والمخفي في سجون الجماعة منذ 2021.

في يونيو الماضي أدانت قرابة 120 منظمة مجتمع مدني يمنية ودولية انتهاكات الحوثيين بحق موظفي الإغاثة الأمميين، في الوقت الذي قال وزير حقوق الإنسان اليمني، أحمد عرمان، في تصريحات صحفية أدلى بها في الـ24 من يونيو 2024، إن عدد المعتقلين تجاوز 70 شخصاً بينهم 5 نساء.

ومن بين المختطفين 18 موظفاً أممياً بينهم 2 يعملان في مكتب المبعوث الأممي، وفق تصريحات الوزير عرمان لوكالة "شينخوا" الصينية، في حين قال المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، في إحاطته التي قدمها في 13 يونيو، إنه خلال أسبوع اختطف الحوثيون 13 موظفاً من الأمم المتحدة.

ولفت إلى أن من بين المختطفين 5 من العاملين في المنظمات غير الحكومية الدولية، والعديد من موظفي المنظمات المحلية غير الحكومية، والمجتمع المدني، وأشار إلى أن هناك 4 موظفين من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ومنظمة اليونسكو لا يزالون معتقلين منذ 2021 وحتى 2023.

ويوم الأربعاء الماضي طالبت الولايات المتحدة جماعة الحوثي بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وموظفي البعثات الدبلوماسية.

وأدان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، في مؤتمر صحفي، "الاعتقالات غير المشروعة التي يقوم بها الحوثيون"، مؤكداً أنه ليس لهؤلاء أي علاقة بالنزاع في غزة.

المتحدث الأمريكي أشار إلى أن هذه التصرفات تنفر المجتمع الدولي وتعقّد عملية تقديم المساعدات الإنسانية، كما أنها تعرض عملية السلام في اليمن للخطر.

كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 11 يونيو 2024، جماعة الحوثي بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة البالغ عددهم 17 شخصًا، وذلك بعد يوم واحد من إعلان الحوثيين ضبط خلية تجسسية.

ولم تتوقف حملة الحوثيين الممنهجة ضد الموظفين المحليين لدى المنظمات الأممية والدولية والبعثات الدبلوماسية، حيث تواصل الجماعة حملات الاعتقال، من بينها اعتقال موظف لدى السفارة الهولندية، وجهات أخرى.
وقام الحوثيون بتجميد عشرات الحسابات البنكية للمعتقلين العاملين في منظمات دولية ومحلية وأممية، وأيضًا بعثات دبلوماسية، بحسب الصحفي اليمني فارس الحميري.

ومن بين المعتقلين موظفات يمنيات يعملن في مجال الإغاثة، أبرزهن فايدة السريحي مديرة الشؤون المالية في المعهد الديمقراطي الوطني، وكذا سميرة علي بلح المنسقة الميدانية للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في الحديدة، وسارة الفائق المديرة التنفيذية للائتلاف المدني للسلام، ورباب المضواحي مديرة أحد البرامج في المعهد الديمقراطي الأمريكي.

وبالنظر للتحديات التي تواجهها جماعة الحوثي المتمردة في اليمن، فإن اختلاق عدو قد يكون بمنزلة المخرج أمام الجبهة الداخلية، وهذا ما ذهب إليه الناشط الحقوقي ورئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات، توفيق الحميدي.

وأضاف الحميدي، أن هدف الجماعة من وراء الحملة على موظفي الإغاثة الإنسانية والأمم المتحدة والسفارات هو "إبقاء وتيرة المعركة في أعلى مستوياتها"؛ لأن الجماعة حسب وصفه "لا تعيش إلا في أجواء الحروب".

ولفت إلى أن إعلان وجود شبكة جاسوسية من موظفين يعملون في المنظمات ووكالات الإغاثة والسفارات، والادعاء أنها في حالة حرب مع "إسرائيل" وأمريكا، "يمنحها القدرة على التماسك الداخلي، ودعوة أنصارها لتقديم ولاء مطلق لزعيم الجماعة".

وأشار الحميدي إلى أن هذه الجزئية مهمة جدًا في هذه الفترة، خصوصًا في ظل عدم ظهور تأثير كبير للعمليات التي تنفذها في البحر الأحمر وخليج عدن، على شعبية الجماعة داخليًا.

ولا يستبعد الحميدي وجود علاقة بين حملات الاعتقال التي طالت موظفي المنظمات الدولية والأممية والسفارات بالقرارات التي اتخذها البنك المركزي اليمني مؤخرًا، والتي شكلت، حسب وصفه، "خطرًا وجوديًا على الجماعة".

واعتبر أن تلك القرارات حققت ما لم تحققه التحركات العسكرية سابقًا، مضيفًا: "ومن ثم ترى الجماعة أن هذه القرارات لا يمكن أن تصدر بهذه القوة، دون أن يكون هناك دعم خارجي، سواء إقليمياً أو دولياً".

ويبيّن أن الجماعة تمارس الضغط على السفارات وعلى الأمم المتحدة، عبر موظفيها، بهدف إجبارها على ممارسة ضغط أكبر على الحكومة الشرعية، لافتًا إلى أن هناك مؤشرات على أن المبعوثَين الأمريكي والأممي يضغطان فعلًا على الحكومة الشرعية لتأجيل تنفيذ تلك القرارات.
"الخليج أونلاين"