إن العلاقات بين شعب مصر وشعب الجنوب العربي تعد علاقات حميمة وقديمة واستراتيجية تمتد لآلاف السنين، حيث لعبت مصر دورا تاريخيا على الساحة العربية عامة والجنوبية خاصة في العصور القديمة والحديثة على السواء، غير أن كل ما نشر أو معظمه عن هذه العلاقات تجاهل العلاقة الاستراتيجية القوية التي كانت تربط الجنوب بمصر، أن كلًا من مصر والجنوب كانتا مستعمرتين بريطانيتين وقبلهما امتد نفوذ محمد علي باشا إلى الجنوب، وارتبط الشعبان بعلاقات ثقافية واجتماعية حميمة وواسعة. ربما كان شعب الجنوب أكثر تأثرًا بالثقافة والفن المصريين والعادات الشعبية أكثر من أي شعب عربي آخر.. حتى في أسماء المواليد والمدن والأحياء السكنية نجد مدن جنوبية بأسماء مصرية كـ "القاهرة والمنصورة والعريش والصعيد، ومن أسماء المواليد جمال، عبد الناصر، أسوان، سيناء.. إلخ.
  • العلاقات الحيوية والاستراتيجية
تعد العلاقات الحيوية والاستراتيجية بين جنوب اليمن ومصر العربية علاقة مبنية على قواسم مشتركة أمنية وسياسية واقتصادية، وقد لعب الوضع الجغرافي للبلدين على ضفتي البحر الأحمر جنوبًا وشمالًا وسيطرة جنوب اليمن على مضيق باب المندب عن طريق جزيرة ميون في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وارتباطه بقناة السويس، دورًا حيويًا في تطور العلاقات بين البلدين والشعبين العربيين الشقيقين.
  • العلاقات السياسية والعسكري قبل الاستقلال
لقد استطاع الزعيم العربي جمال عبد الناصر توطيد العلاقات العربية المصرية في معظم الدول العربية وكان جنوب اليمن من أكثر الدول العربية ارتباطا بالقيادة المصرية نظرا للقواسم المشتركة بين البلدين وكذلك المصير المشترك.

ففي بداية الستينيات أسهمت مصر العربية إسهاما كبيرا في دعم وتعزيز أواصر العلاقة وقد تمثل ذلك في الدعم السياسي والعسكري المصري لثورتي اليمن في ستينيات القرن الماضي بالدم وبالسلاح في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، حيث شاركت بعض القوات المصرية في تدريب ودعم ثورة 14 أكتوبر 1963 في الجنوب للتحرر من الاستعمار البريطاني الذي استمر 129 عامًا وكذلك شاركت في دعم الثوار في اليمن (اليمن الشمالي بالمال والرجال وشكلت ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن بداية تحول.

"مثل قيام ودعم الثورات العالمية والعربية وخاصة ثورة أكتوبر الاشتراكية وظهور الاتحاد السوفييتي وثورة 23 يوليو في مصر وعمل الرئيس المصري جمال عبدالناصر أن يتخذ من تواجده العسكري والسياسي في اليمن الشمالية للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر فرصة لدعم ثورة 14 أكتوبر في الجنوب سياسيًا وعسكريًا ولوجستيًا، وكذلك الثورة الجزائرية كان لها دورًا فعالًا" ([1]).
  • تدريب وتأهيل الثوار الجنوبيين لمقاومة الاحتلال البريطاني
لقد كانت مصر هي الداعم الأول والأكبر لثورة 14 أكتوبر 1963 في الجنوب الذي حقق استقلاله عن الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967م، لقد كان للزعيم العربي المصري جمال عبدالناصر دورًا مؤثرًا قولًا وفعلًا في دعم ثورة الجنوب، حيث أعلن في خطاب ألقاه في تعز 22 أبريل 1964 "أن بريطانيا لا بد أن تجلو عن عدن - إن كلًا من عدن والجنوب العربي أرض عربية وأن من المستحيل تمامًا على بريطانيا أن تفرق بين عرب وعرب" ([2]).
  • العلاقات السياسية والعسكرية بعد الاستقلال
لقد تطورت العلاقات الاستراتيجية الشاملة بين البلدين الشقيقين بشكل مضطرد منذ قيام دولة الجنوب في الـ30 من نوفمبر عام 1967م، حيث زار القاهرة أول رئيس جنوبي 1967 - 1969م قحطان الشعبي أكثر من مرة وأقام فيها وفي الإسكندرية أيام الثورة.

وفي مصر درس العديد من قادة ثورة 14 أكتوبر وقادة دول الجنوب وتخرجوا من الكليات والمعاهد المصرية أبرزهم سيف الضالعي الذي أصبح أول وزير خارجية في حكومة استقلال الجنوب وكذلك فيصل عبداللطيف الشعبي الذي أصبح رئيسًا للوزراء وكان الدينمو المحرك للثورة وللجبهة القومية التي قادت الثورة، وكذلك علي سالم البيض وزير الدفاع في أول حكومة، وحيدر العطاس وزير الأشغال والمواصلات، وكذلك رئيس الوزراء علي ناصر محمد، حيث استضافت ورعت القاهرة وجامعة الدول العربية مباحثات ثنائية في اليمن الجنوبية واليمن الشمالية في أكتوبر 1972م إثر اشتباكات سبتمبر الحدودية بين البلدين.

وكانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية خير حليف لجمهورية مصر العربية، ولن تكن يوما ضد التوجهات العربية القومية، بل إنها فتحت ذراعيها لكل البلدان التي تقع تحت الاحتلال وفتحت عددا كثيرا من المكاتب للحركات الثورية المحلية والعربية والعالمية.

 وفى حرب أكتوبر 1973م أغلقت مصر بمساعدة البحرية الجنوبية باب المندب طوال الحرب ولم تفتحه إلا في يناير 1974، بعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك الأولى وبدء الانسحاب الإسرائيلي من غرب قناة السويس.
وبعد هذه الأحداث تعمقت العلاقات الاستراتيجية الجنوبية المصرية التي يجمعها الهدف والمصير المشترك وظلت عدن هي الحلف الرئيس لحماية المياه الإقليمية والدفاع العربي المشترك التي كانت دولة الجنوب هي الحارس الأمين له حتى تاريخ النكبة اليمنية 1990م.
  • موقف مصر من مشروع الوحدة اليمنية
كانت دولة وشعب مصر أحد الدول المتحفظة عن قيام مشروع الوحدة اليمنية، وكان هناك موقفا مشرفا للرئيس المصري حسني مبارك من اتفاقيات مشروع الوحدة فقد أشار السفير قاسم عسكر جبران الذي كان حينها سفيرا في الجزائر وكان من ضمن الوفد المشارك في الخارج للتهيئة لإعلان الوحدة اليمنية، حيث أفاد عسكر بأن الوفد قبل الرئيس حسني مبارك شارحين له خطوات تنفيذ الوحدة وكان أول سؤال يطرحه ما هي الضمانات لمشروع الوحدة فأجاب رئيس الوفد التعددية والديمقراطية فضحك الرئيس المصري قائلا: "تعددية ايه ديمقراطية ايه.. إن هذه ليس ضامن لنجاح هذه المشروع، كان بكم الأجدر أن تضعوا شرطا في حالة نشوب حرب بين الطرفين لهم حق العودة لوضعهما الطبيعي".

وغادر الوفد دون أن يحصل على الموافقة والتأييد المصري لمشروع الوحدة، رغم أنها يوم الإعلان أيدت مصر قيام الوحدة السلمية بين البلدين عام 1990م.

وأثناء أزمة وحرب 1994 التي شنها شمال اليمن بقيادة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح ضد الجنوب رفضت مصر بشدة تلك الحرب وتعاطفت مع الجنوب، وأكد الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك أن مصر ما دام دعمت قيام الوحدة اليمنية السلمية عام 1990م فإنه تعلن رفض فرض الوحدة بالقوة ([3]).

احتضنت مصر العروبة على أرضها عددًا من أبناء الجنوب بما فيهم قادة سياسيين وعسكريين بارزين بعد حرب 1994م التي احتل فيها نظام صنعاء الجنوب بالقوة المسلحة واعتمدوا على الأغلبية العددية.
  • الأزمة اليمنية.. مواقف مصرية داعمة
اتخذت القاهرة قرارًا في 23 فبراير 2015 بإغلاق سفارتها في العاصمة صنعاء بعد سيطرة الجماعات المسلحة عليها، وتوافقًا مع المواقف الخليجية والدولية بإغلاق السفارات في العاصمة صنعاء، وأعلنت مصر فتح سفارتها في عدن استمرارًا للدعم السياسي للسلطة الشرعية في اليمن بعد اتخاذ الرئيس منصور هادى المدينة مقرًا له ودعمًا لشرعيته وتوافقًا مع المواقف الإقليمية والدولية.

و"أعلنت مصر دعمها الكامل للحملة العسكرية (عاصفة الحزم) ضد معاقل الحوثيين في اليمن ودعمًا للشرعية السياسية للرئيس هادى ومشاركتها في الحملة التي تكونت من دول مجلس التعاون ومصر والمغرب والسودان والأردن وبتأييد دولي من مجلس الأمن للحملة، كما وقفت مصر بحزم ضد التدخل الإيراني في اليمن ودعمها لجماعة الحوثي، مؤكدة على حق الشعب اليمني في اختيار من يحكمه.

كما وافق مجلس الدفاع الوطني المصري في يناير 2017 برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي على تمديد مشاركة العناصر الأزمة من القوات المسلحة في مهمة قتالية خارج الحدود للدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر وباب المندب [4].

انطلاقا من موقف مصر الثابت فيما يتعلق بالصراع في اليمن أيدت مصر اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي في 5 نوفمبر 2019م الذي قضى بتشكيل حكومة مناصفة بين الجنوب والشمال، حيث "أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي دعم بلاده لتنفيذ كل بنود اتفاق الرياض، مؤكدًا أن القاهرة تؤمن بأن الحل السياسي هو السبيل الأمثل للأزمة اليمنية".

ورحبت وزارة الخارجية المصرية بقرار إنشاء مجلس قيادة رئاسي في اليمن من 8 أعضاء مناصفة بين الجنوب والشمال، معتبرة في بيان لها، "أن تلك الخطوة تساهم في عبور اليمن إلى بر الأمان".

وقالت الوزارة "تابعت جمهورية مصر العربية، اليوم 7 أبريل الجاري، باهتمام بالغ التطور الخاص بإنشاء مجلس قيادة رئاسي بالجمهورية اليمنية لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية في اليمن الشقيق، وتفويضه بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية"، وأضاف البيان: "ترى مصر في هذه الخطوة تطورًا هامًا ترحب به لما نأمل أن تؤدي إليه من عبور باليمن الشقيق إلى بر الأمان والاستقرار، من خلال التوصل إلى توافق يمني- يمني لعبور المرحلة الانتقالية وإنهاء الصراع ([5]).

النتائج
- لعب الوضع الجغرافي للبلدين على ضفتي البحر الأحمر جنوبا وشمالا وسيطرة جنوب اليمن على مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وارتباطه بقناة السويس، لعب وسيظل يؤدي دورًا حيويًا في تطور العلاقات بين البلدين والشعبين العربيين الشقيقين.
- تؤكد معطيات الأحداث التاريخية والسياسية والعسكرية أن هناك قواسم مشتركة بين الشعبين المصري والجنوبي.
- مصر دولة محورية كبيرة ومهمة في المنطقة ومفتاح للعالم كله تحتاج إليه الجنوب بمسيس الحاجة وبإلحاح شديد لمصلحتها ولمصلحة الأمن القومي المصري والعربي.

التوصيات
- توطيد العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين القيادة المصرية وقيادات المجلس الانتقالي الجنوبي والعمل المشترك في مواجه التحديات الامن القومي العربي.
- التنسيق بين قيادات الانتقالي الجنوبي والقيادة السياسية المصرية في سبيل مكافحة الإرهاب الذي يهدد الشعبيين المصري والجنوبي.
- عقد الاتفاقيات والتفاهمات في سبيل تدريب وتأهيل القوات الجنوبية لاسيما قوات مكافحة الإرهاب الدولي لما لمصر من خبرة عسكرية واستخباراتية في هذا المجال.