> «الأيام» العرب:

كثفت حركة الشباب الصومالية المتطرفة من استهداف المدنيين بالتفجيرات خلال الأسابيع الأخيرة، ما يثير التساؤلات حول المغزى من ذلك، وهل أن هذا خيار ضمن خطة لترويع الصوماليين ودفعهم إلى النأي بأنفسهم عن أي وجود للقوات الحكومية أو القوات الأجنبية الداعمة للصومال، أم أن الأمر دليل يأس وتخبط وعنوان على بداية النهاية لحركة لم يعد الوضع الإقليمي والدولي يتيح لها بالاستمرار.

وبداية الشهر الحالي، هاجم مقاتلو حركة الشباب شاطئ ليو الشهير في العاصمة الصومالية واستهدفوا فندقًا بالمكان بسلسلة تفجيرات وهجمات ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات من الصوماليين. وانتشرت صور ومقاطع فيديو مروعة من شهود عيان على وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص يهربون من الشاطئ في حالة ذعر وآخرين ينزفون ويصرخون في الرمال. وكان صوت إطلاق النار مسموعا في الخلفية. ولم تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إلى المصابين بسبب استمرار إطلاق النار.

وفي منتصف يوليو الماضي قُتل تسعة أشخاص وأصيب 20 آخرون في مقديشو في تفجير سيارة مفخخة أمام مقهى مزدحم أثناء بث نهائي كأس الأمم الأوروبية 2024، وفق مصادر أمنية. ونفّذت حركة الشباب الإسلامية في الماضي العديد من التفجيرات والهجمات في مقديشو ومناطق عدة في البلد غير المستقر في القرن الأفريقي ورغم إخراج عناصرها من العاصمة بعد تدخل قوات الاتحاد الأفريقي في عام 2011، فإنهم مازالوا منتشرين في المناطق الريفية.

وتوعد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بشن حرب "شاملة" ضدهم. وانضم الجيش إلى قوات العشائر لتنفيذ حملة عسكرية تدعمها قوة من الاتحاد الأفريقي بمؤازرة جوية أميركية. ويرى محللون أن استهداف المدنيين بشكل متعمد من خلال الهجوم على المناطق المزدحمة دليل على انزعاج حركة الشباب من تحالف العشائر مع الحكومة، والذي يهدد بعزل الحركة وتجفيف منابع نفوذها
ويعزو أبو الفضل الإسناوي، مدير تحرير مجلة السياسة الدولية بالأهرام، في مقال له بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إستراتيجية حركة الشباب في استهداف المدنيين بدلا من مواجهة الجيش الصومالي والقوات الأجنبية الداعمة له إلى مجموعة عناصر من بينها:

– قصور الاستراتيجية الأمنية للأطراف الدولية المشاركة في عمليات حفظ السلام بالصومال، إذ ركزت على القواعد البحرية وتدريب القوات الصومالية والاهتمام بحل المشكلات السياسية والاقتصادية، في مقابل تراجع إستراتيجية المواجهة المباشرة مع عناصر حركة الشباب وقيادتها في تمركزاتها الداخلية بالمدن والريف؛ ما أدى إلى استعادة الحركة لبعض مناطقها القديمة.

وتظهر حصيلة القتلى والجرحى من المدنيين أن حركة الشباب التي تلقت الكثير من الضربات مازالت قادرة على تنفيذ هجمات نوعية، ليس لأنها قوية ولكن لأن الأمن هش في العاصمة مقديشو، وهو ما يهز مصداقية الاستقرار الأمني التي تحدث عنها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود.

ويطرح الهجوم تساؤلات حول جدوى الاتفاقيات الأمنية التي وقّعها الصومال مع عدة دول من بينها تركيا، ولماذا لم ينجح التدريب في تأهيل القوات الصومالية لمواجهة مثل هذا الوضع.

– تغير المنطلقات الفكرية لحركة الشباب، بالإضافة إلى تغيير تكتيكاتها. وهذا التحول تلجأ إليه الجماعات المتطرفة عندما تدرك خطر البقاء. فبعد أن كانت الحركة تستهدف قوات الأمن والجيش بدرجة كبيرة، وتأخذ طابعًا تكفيريًا محدودًا تجاه المدنيين؛ "يلاحظ تزايد استهدافها للمدنيين من منطلق حجة باطلة تبرر القتل استنادًا إلى مسؤولية المواطن عن سياسة حكومته".

وتقترب حركة الشباب، التي تنتمي إلى القاعدة، في هذا التوجه من تنظيم داعش الذي يساوي بين المدنيين والعسكريين، ويرى في زيادة أعداد الخسائر رسالة لترويع الأعداء دون التفات إلى أيّ تأصيل يمنع قتل الأبرياء والتنكيل بهم. ومن أهدف حركة الشباب من خلال الترويع وفق المقال الذي نشره مركز المستقبل نجد:

♦ الحركة تخطط عبر تنويع عملياتها لحرمان الجيش الصومالي من جهود مختلف الأطراف التي ساندته منذ بدء الحملة ومكنته من إحراز انتصارات مهمة
- الانتقام وبث مشاعر الإحباط لدى القوات الصومالية والمدنيين المتعاونين معها: فالحركة تقتل المدنيين بهدف الانتقام منهم بعد تعاونهم مع قوات الأمن، وأيضًا بهدف الانتقام من القوات الحكومية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن “دافع الانتقام متكرر الاستخدام عند التنظيمات الإرهابية، ومنها حركة الشباب، التي عادةً ما تستهدف مدنيين؛ بهدف تخفيف الضغط المفروض عليها من قِبل قوات الأمن والجيش”.

- تفكيك العلاقة بين العشائر وقوات الأمن وكسر ما يُعرف بـ "المقاومة الشعبية"، خاصةً أن هذا التعاون تسبب في تفكيك تحالفات الحركة مع القوى المجتمعية، ما أدى إلى فقدانها بعض مصادر التجنيد، وكذلك المخابئ التي كانت تلجأ إليها عناصرها.

وتخطط الحركة، عبر تنويع عملياتها، لحرمان الجيش الصومالي من جهود مختلف الأطراف التي ساندته منذ بدء الحملة ومكنته من إحراز انتصارات مهمة وتحرير أكثر من ثمانين مدينة كانت بحوزة المتمردين. وسبق استهداف الحركة للمدنيين في مقديشو تركيزها على تأجيج الصراعات بين العشائر للحد من مساندتها للحكومة الفيدرالية خاصة العشائر المعروفة باسم (معويسلي).

ونجح متمردون في افتعال المشاحنات والمواجهات من منطلقات نفعية بين العشائر، مثل التنافس على المراعي ومصادر المياه، والضغط بسلاح التكفير العقدي على خلفية المشاركة في الحرب في صف الدولة، وهو ما أدى إلى استمالة البعض ضد زعماء القبائل، وإشغال الحكومة بإيجاد حلول للصراعات العشائرية، ونتج عن ذلك تخفيف الضغوط عن الحركة.

ويخلص مقال مركز المستقبل إلى أنه يمكن القول إن تزايد استهداف حركة الشباب الصومالية للمدنيين في الأماكن العامة عام 2024، ربما يعبر عن تغيير في طبيعة وتكتيكات الحركة، وسيطرة الجانب العقائدي على عناصرها، وهو ما يُتوقع معه قيام الحركة بالمزيد من هذه الهجمات خلال الفترة المقبلة.
"العرب"