تمر علينا في شهر أغسطس ذكرى مرور 95 عاما على مد أول أنبوب للمياه من أول حقل الآبار في الشيخ عثمان إلى خزانات البرزخ الحجرية في عام 1929، وقد شكل هذا الأنبوب اللبنة الأولى لشبكة إمدادات المياه في عدن.

وبذلك، تعتبر عدن أول مدينة في منطقة الخليج وسادس مدينة عربية عرفت إمدادات المياه عبر شبكة التوزيع في ثلاثينيات القرن الماضي، لتتطور بعد ذلك إمدادات المياه بصورة سريعة ضمن أول خطة خمسية تطويرية اعتمدتها السلطات البريطانية للأعوام 1947 -1952 في جميع المناطق بعدن.

عاشت عدن بعد ذلك فترة استقرار تمويني للمياه دفعت بالسلطات البريطانية بإعطاء 600 جالون من المياه مجانا لكل توصيلة منزلية، على أن يتم احتساب الاستهلاك لما زاد عن هذه الكمية وبسعر زهيد للغاية، وكان ذلك بفضل إنشاء حقلي مياه بئر أحمد عام 1952 وبئر ناصر عام 1954م.

واستمر هذا الوضع التمويني مستقرًا حتى التسعينيات بدخول مشروع مياه الروة في أبين عام 1984 ومشروع مياه تبن في لحج عام 1994م، إلا أن هذا الوضع تغير بعد حرب صيف 1994م، حيث تم اتخاذ قرار بوقف المنحة المجانية من المياه لكل توصيلة منزلية والسماح بالحفر العشوائي في محيط الآبار الممونة لمشروع عدن في تبن بحجة أن أهالي لحج أولى بالمياه من أهالي عدن، رغم أن الآبار التي تم حفرها في معظمها آبار للأغراض الزراعية وليست للشرب، مما أدى إلى هبوط منسوب المياه وتوقف المشروع في عام 2004م.

وكانت الضربة القاضية لتموينات المياه في عدن توقف مشروع مياه الروة في أبين عام 2009 بفعل تفجير خط النقل الرئيسي قطر 32 بوصة بتحريض سياسي بامتياز لتشهد بعدها عدن نقصا ملحوظا في كميات المياه الممونة للمديريات دفع بالمؤسسة إلى تقنين استهلاك المياه عبر نظام توزيع للمناطق في كل من خورمكسر والمعلا والتواهي والقلوعة والمرتفعات الجبلية في كريتر، وانتهت بذلك فترة الاستقرار التمويني للمياه الذي شهدته عدن منذ عقود من الزمن.

اليوم أصبحت مسألة توفير المياه مسألة حياتية صعبة تؤرق المؤسسة والمواطن، فكمية المياه التي تنتجها حقول المؤسسة لا تزيد عن 120 ألف متر مكعب يومياً في أحسن الأحوال، بينما احتياج السكان في عدن يقدر بضعف هذه الكمية بفعل النزوح لمئات الآلاف من مناطق الصراع وبفعل اللاجئين الأفارقة، في ظل الإمكانيات والقدرات المادية للمؤسسة التي وصلت الى الصفر في توفير متطلباتها الصيانية والتشغيلية، وتعتمد في تنفيذ مشروعاتها الاستبدالية أو التوسعية على المنظمات الدولية دون وجود أي دور للحكومة.

إن عزوف المواطنين والمؤسسات الحكومية عن دفع قيمة الاستهلاك الشهري للمياه زاد من عجز المؤسسة في تسيير أعمالها اليومية ودفع مستحقات العاملين ورواتبهم الشهرية في ظل غياب أي دور رقابي للوزارة والسلطة المحلية على أعمال المؤسسة زادت الاختلالات الادارية والمشاكل الوظيفية مما ادى الى تقاعس العاملين وعدم التزامهم بالعمل وتذمرهم من الوضع القائم، الأمر الذي عكس نفسه على عمل منظومتي المياه والصرف الصحي بصورة سلبية.

وللخروج من هذه الأزمة ولو بشكل جزئي يساعد في إعادة ترتيب وضع مؤسسة المياه وتحسين إدارتها بشكل أفضل فإننا نرى ضرورة عمل التالي:

1 - تعزيز مصادر المياه الممونة لعدن، وذلك باستعادة حقل مياه الروة في أبين الذي يعتبر ملكا للمؤسسة بصورة عاجلة وتقديم رؤية فنية ومالية واضحة لإعادة تشغيله تحت مسؤولية مياه عدن بجميع مكوناته، وهو ما سوف يوفر حوالي 20 ألف متر مكعب من المياه يوميا على أن تتحمل السلطة المحلية مسؤولية توفير الموازنة المالية والتشغيلية للحقل في ظل عجز المؤسسة عن القيام بذلك مع ضرورة البحث عن مصادر مياه بديلة في المستقبل القريب لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية لأهالي عدن.

2 - قيام الحكومة بواجبها تجاه مؤسسة مياه عدن ودعم قطاع المياه والصرف الصحي بالموازنات المالية اللازمة ضمن البرامج الاستثمارية للحكومة أسوة بمؤسسة الكهرباء وعدم جعلها تتسول الدعم على أبواب المنظمات الدولية التي أصبحت سقوفها المالية اليوم في أدنى مستوياتها وربما توقفها في أي لحظة.

3 - قيام مجلس الإدارة للمؤسسة برئاسة وزير الدولة محافظ المحافظة بعقد مجلس الإدارة بشكل دوري للوقوف على مشاكل المؤسسة المالية والإدارية المستفحلة وحلها أولاً بأول ووضع الخطط والبرامج التي من شأنها الحفاظ على هذا الكيان المؤسسي الكبير من الانهيار.

* "المدير العام السابق للمؤسسة المحلية للمياه والصرف - عدن"