> هشام عطيري:

في حادثة مأساوية أثارت صدمة على مستوى البلاد، لقي سبعة نازحين، بينهم أطفال، مصرعهم أو أصيبوا بجروح خطيرة خلال اليومين الماضيين في مخيم عتيرة رقم 2. هذه الحادثة ليست مجرد أرقام، بل قصص موجعة لأسر دفعتها ظروف قاسية إلى اللجوء إلى هذا المخيم النائي، حيث لم يجدوا سوى الموت والجوع في ظل نقص حاد في المساعدات الإنسانية.

مخيم عتيرة بلحج
مخيم عتيرة بلحج

النازحون في المخيم يعانون من نقص حاد في الغذاء والماء، ويشكون من عدم توافر الدعم الكافي من قبل المنظمات الدولية، محملين الجهات المسؤولة عن تنسيق نشاط هذه المنظمات مسؤولية تدهور أوضاعهم. العديد من النازحين تحدثوا عن غياب تام لأي نوع من المساعدات الغذائية، ما جعلهم يتساءلون عن دور تلك المنظمات التي يفترض أنها وجدت لمساعدة المحتاجين.


خلال زيارتنا للمخيم، لاحظنا وجود منظمة تقدم خدمات صحية للنازحين، بالإضافة إلى مدرسة تم إنشاؤها بمبادرة من إحدى المنظمات الإنسانية. كما تم توفير مياه الشرب عبر شاحنات خاصة تنقل المياه إلى المخيم بشكل دوري. لكن هذه الجهود، رغم أهميتها، تبدو غير كافية بالنظر إلى الاحتياجات الهائلة للنازحين الذين يواجهون يوميا صعوبات كبيرة في تأمين لقمة العيش.


المخيم نفسه يتكون من مبان خشبية متراصة وسط صحراء قاحلة، حيث تعصف الرياح العاتية بهذه المباني الهشة، مما يزيد من معاناة سكان المخيم في ظل تقلبات الطقس القاسية. هذه الظروف البيئية الصعبة تفاقم من الأزمة الإنسانية، مما يجعل الحياة في المخيم أقرب إلى معركة يومية للبقاء.

النازحون في مخيم عتيرة 2 يواجهون مصيرا مظلما، ويطالبون بإلحاح بتحرك فوري من قبل المنظمات الدولية والجهات المعنية لتقديم الدعم اللازم لهم، قبل أن تتفاقم الأزمة وتتحول إلى كارثة إنسانية أوسع نطاقًا.


وسط حالة من الحزن والصدمة، كشف ياسر فتيني، أحد النازحين في مخيم عتيرة 2، عن تفاصيل مؤلمة لما وقع في المخيم مؤخرا من حادث أليم، راح ضحيته أربعة أفراد من أسرة واحدة، بينهم طفلان. يتحدث ياسر عن الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون، حيث أدى غياب المساعدات الإنسانية إلى إجبار الجميع، صغارا وكبارا، على البحث عن وسائل يائسة لتأمين قوت يومهم.

وأوضح ياسر أن الظروف المعيشية القاسية دفعت النازحين في المخيم إلى جمع الخردوات والحديد ودبب المياه الفارغة، فيما تضطر بعض النساء إلى الخروج للتسول في محاولة يائسة لتأمين الغذاء لأسرهن. ويضيف أن الرياح العاتية التي تعصف بالصحراء المحيطة بالمخيم زادت من معاناتهم، حيث دفنت العديد من المنازل الهشة تحت الرمال، مما جعل الحياة في المخيم أشبه بالكابوس.


يروي ياسر كيف أن الضحية، الذي كان يسعى جاهدا لتأمين بعض المال من خلال جمع وبيع الخردوات، عثر على جسم غريب خلال بحثه في الصحراء. دفعه الأمل في الحصول على شيء ثمين إلى إحضار هذا الجسم إلى منزله، ليبدأ في العبث به بمطرقة. ولكن هذا الجسم، الذي اتضح لاحقًا أنه مادة متفجرة غير معروفة، انفجر فجأة، مما أدى إلى تطاير أشلاء الضحايا في جميع أنحاء المخيم. الحادثة كانت مروعة، ولم تترك أثرا على الأسرة المنكوبة فحسب، بل على جميع سكان المخيم الذين عاشوا تلك اللحظات المؤلمة.

يؤكد ياسر أن هذه الحادثة المأساوية هي الأولى من نوعها في المخيم، وقد أودت بحياة الضحية وزوجته واثنين من أطفاله. ويضيف أن هذه المأساة هي نتيجة مباشرة للإهمال الذي يعاني منه المخيم، حيث لم تدخل المساعدات الإنسانية منذ فترة طويلة، مما جعل النازحين يعيشون في حالة من اليأس والإحباط، يدفعهم للقيام بأي شيء من أجل البقاء.


المأساة التي شهدها مخيم عتيرة 2 هي صرخة استغاثة موجهة للعالم بأسره، بضرورة التحرك الفوري لتقديم الدعم اللازم للنازحين في هذا المخيم قبل أن تتكرر مثل هذه الحوادث المروعة، وتتحول حياة النازحين إلى سلسلة لا تنتهي من المآسي.

في شهادة مؤلمة تعكس حجم المعاناة التي يعيشها سكان مخيم عتيرة 2، تروي مريم يوسف، شقيقة أحد ضحايا الانفجار المروع، تفاصيل اللحظات الأخيرة التي سبقت الحادثة. توضح مريم أن شقيقها، الذي لقي مصرعه جراء الانفجار، كان مدفوعًا بالجوع واليأس عندما أحضر الجسم الغريب إلى منزله، رغم تحذيرات بعض سكان المخيم من خطورة العبث بهذا الجسم المجهول. كان هدفه الوحيد هو استخراج النحاس من هذا الجسم وبيعه لشراء الطعام لأسرته التي تعاني من الجوع الشديد.


تصف مريم كيف أن شقيقها كان يعتقد أن الجسم الغريب فارغ من أي مواد خطرة، مما دفعه لاستخدام المطرقة في محاولة لكسره. ولكن بعد عدة طرقات، انفجر الجسم فجأة، ما أدى إلى وقوع كارثة كبيرة أودت بحياة شقيقها وزوجته واثنين من أطفال جيرانهم. تقول مريم بحزن شديد: "هذا المخيم هو مقبرة الأحياء"، مشيرة إلى أن النازحين هناك يعيشون في ظروف لا تطاق، حيث يعتمدون بشكل كامل على جمع الخردوات لبيعها، في ظل غياب تام لأي دعم إنساني.


من جانبها، تتحدث مديح عبدالله، أم لاثنين من الأطفال الذين لقوا حتفهم في الانفجار، عن اللحظات الرهيبة التي شهدتها عندما انفجر الجسم الذي كان يحاول جاره الضحية كسره. تروي الأم المفجوعة كيف فقدت طفليها في تلك اللحظة المأساوية، وكيف بقيت جثثهما في العراء لفترة طويلة قبل أن يتمكن الأهالي من دفنهما بعد ساعات طويلة من وقوع الحادثة.

مديح تعبر عن حزنها العميق لفراق أطفالها، وعن ألمها الكبير جراء الوضع المأساوي في المخيم. تطالب الأم الحزينة بتوفير الدعم اللازم للنازحين في المخيم، أو ترحيلهم إلى مناطقهم الأصلية بدلاً من تركهم يواجهون الموت البطيء بسبب الجوع والعزلة.

في أعقاب الحادث المروع الذي وقع في مخيم عتيرة للنازحين وأسفر عن مقتل وإصابة سبعة أشخاص بينهم أطفال، عبّر غسان علي، مسؤول إدارة الدفاع في مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل، عن حزنه العميق إزاء هذه الفاجعة. وأوضح غسان أن المكتب بذل جهودًا كبيرة في السابق لتنفيذ حملات توعية بالتعاون مع البرنامج الوطني للتوعية من مخاطر الألغام. ومع ذلك، أكد أن الظروف الصعبة التي يواجهها النازحون تجبرهم في كثير من الأحيان على المخاطرة بحياتهم من خلال جمع الخردوات وبيعها لمحاولة تحسين ظروف معيشتهم.

وأكد غسان علي أن المكتب يعمل حاليًا على وضع خطة عاجلة لتنفيذ حملات توعية مكثفة حول مخاطر الألغام والأجسام المتفجرة، داعيًا النازحين في المخيمات والمجتمع المحلي إلى الإبلاغ الفوري عن أي أجسام غريبة إلى الجهات الأمنية أو المختصة، كما شدد على أهمية الابتعاد عن هذه الأجسام حتى يتمكن المختصون من التعامل معها بشكل آمن.

من جانبها، روت حياة الرحيبي، مديرة مكتب حقوق الإنسان في لحج، تفاصيل مشاهداتها المروعة في موقع الحادث. وقالت إنها شهدت أشلاء الجثث متناثرة في كل أنحاء المخيم، وسط حزن عميق خيم على النازحين في ذلك اليوم. وأضافت أن العديد من النازحين لم يتمكنوا من توفير الغذاء لأسرهم في ذلك اليوم، مما يزيد من حدة المعاناة التي يعيشها سكان المخيم الذين يقبعون تحت وطأة الفقر المدقع والوضع الإنساني الصعب.

وأعربت الرحيبي عن أملها في أن تتحرك المنظمات الدولية والمحلية بسرعة لتقديم المساعدات الغذائية للنازحين في المخيم، مشيرة إلى أن هذا الدعم بات ضرورة ملحة لسد رمق الجوعى. كما طالبت الجهات المختصة بتنفيذ مسح شامل للمنطقة الصحراوية المحيطة بالمخيم للبحث عن أي أجسام متفجرة قد تكون مطمورة في الرمال منذ الحرب.

إن ما حدث في مخيم عتيرة يكشف عن حاجة ملحة إلى تعزيز الجهود لحماية النازحين من المخاطر التي تهدد حياتهم، سواء من خلال تكثيف حملات التوعية أو بتقديم الدعم الإنساني الضروري الذي يخفف من معاناتهم اليومية.