إن الاستماع لصوت العقل والمنطق الذي يطرحه الكثير من الأكاديميين والمثقفين والسياسيين الجنوبيين الحريصين بات ضرورة ملحة لبلوغ الغاية والوصول إلى دولة جنوبية مستقلة يسودها العدل ويتساوى فيها جميع أبنائها بالحقوق والواجبات.
ذلك الصوت الحريص الذي يتطرق إلى ضرورة معالجة الأخطاء، وليس الصوت الذي ينتقد الأخطاء بغرض الترويج للبديل السابق الذي انطلقت الثورة الجنوبية من أجل التخلص منه.
إن نجاح أي ثورة وبلوغها غاياتَهَا العليا يتوقف على ارتقاء الثوار من المجال العاطفي في المظاهرات والهتافات والاحتجاجات، التي كانت فعالة عند انطلاق الثورة، إلى مرحلة بناء مؤسسات الدولة وتكثيف العمل السياسي ووضع الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى المبنية على الدراسات العلمية وتقوية الجبهة الداخلية من خلال استمرار الحوارات الجادة التي تؤمّن الثورة من الانتكاسة وتمنحها المقدرة على التطور والتجدد.
سياسة الهروب من الواقع والغرق في تمويهات الشعارات والخطاب غير الواقعي نلمسها اليوم من خلال طريقة تعاملنا كجنوبيين في استحضار تاريخنا والبكاء على الأطلال لتبرير واقعنا وممارساتنا الحالية، متجاهلين في الوقت ذاته أن حتى التاريخ الحقيقي للشعوب بما يتضمنه من منجزات لا يمكن استعادته، وأن أقصى خدمة يقدمها لأصحابه هي استخلاص الدروس والعبر.
هناك فرق بين تصورنا وطموحنا وأحلامنا للمستقبل وبين صناعة حاضرنا ومستقبلنا، والذي لا يمكن صناعته بالجدال وردود الأفعال والتطبيل في الإعلام، لكن من خلال عملنا وممارساتنا على أرض الواقع ومدى استيعابنا لمتطلبات المرحلة وتطويعها لتكون ملبية لطموحات وآمال الشعب، وتبعث برسائل مطمئنة بأن القادم أفضل.