هل فعلًا فشل المجلس الانتقالي الجنوبي في تعديل المبادرة الخليجية؟ هذا السؤال يتردد في أذهان الكثيرين خاصة مع تجاهل الإعلام الجنوبي لتناول هذا الموضوع بشكل جاد ومنهجي وفي ظل الأحداث السياسية المتسارعة كان من المتوقع أن يلعب المجلس الانتقالي الجنوبي دورًا محوريًا في إعادة صياغة المشهد السياسي بما يتماشى مع تطلعاته ورؤيته المستقبلية ومع ذلك يبدو أنه لا توجد رؤية لدى المجلس حتى اللحظة لتعديل "المبادرة الخليجية" لتشمل في بنودها الاعتراف بالقضية الجنوبية وحق تقرير المصير وهي المبادرة التي شكلت الأساس للعملية السياسية في اليمن منذ عام 2011.

من المعروف أن المجلس الانتقالي يسعى منذ تأسيسه إلى تعزيز مصالح الجنوب والدفاع عن حقوقه السياسية من خلال استعادة الدولة الجنوبية التي كانت قائمة قبل عام 1990 بحسب الأجندة المعلنة التي يحملها ومن هذا المنطلق كان تعديل المبادرة الخليجية أحد الأهداف المرجوة التي كانت تلوح في الأفق إذ من المفترض أن يعتبر المجلس الانتقالي المبادرة الخليجية بنسختها الحالية لا تعبر عن مطالب الجنوب ولا تعترف بحق تقرير المصير .
  • "غياب تأثير حقيقي على المبادرة"
رغم جهود المجلس الانتقالي في إبراز قضية الجنوب على الساحة الدولية والإقليمية إلا أن تعديل المبادرة الخليجية ظل بعيد المنال قد يُعزى هذا إلى عدة عوامل منها ضعف التمثيل الجنوبي في المحافل الإقليمية والانقسامات الداخلية بين الفصائل الجنوبية التي أضعفت من موقف المجلس في التفاوض بالإضافة إلى ذلك يواجه المجلس الانتقالي تحديات في بناء تحالفات قوية تضمن له تأثيرًا فعّالًا في المفاوضات السياسية حيث لا يزال التحالف العربي بقيادة السعودية يمسك بزمام المبادرة.
  • "دور التحالف العربي"
لعبت دول في التحالف العربي دورًا محوريًا في تشكيل المبادرة الخليجية وصياغتها ولذا فإن أي تعديل محتمل يجب أن يحظى بموافقة الأطراف الإقليمية المؤثرة وعلى الرغم من ذلك فإن المجلس الانتقالي لم يتمكن حتى الآن من كسب تأييد سعودي أو حتى إماراتي واضح لتعديل المبادرة بما يخدم مصالح الجنوب ربما يعود ذلك إلى حسابات إقليمية أوسع تتعلق بتوازن القوى في اليمن والعلاقة مع الحكومة الشرعية.
  • "الإنجازات التي حققها المجلس الانتقالي"
لا يمكن إنكار الجهود الكبيرة التي بذلها المجلس الانتقالي الجنوبي في إيصال القضية الجنوبية إلى المحافل الدولية فمنذ تأسيسه عام 2017 عمل المجلس على تقديم الجنوب كطرف سياسي مستقل يعبر عن تطلعات أهله في تقرير المصير واستعادة الدولة وقد نجح بالفعل في فتح قنوات تواصل مع عواصم القرار العالمي بما في ذلك الأمم المتحدة حيث طرح قضية الجنوب في العديد من الاجتماعات واللقاءات الدولية .

علاوة على ذلك تمكن المجلس الانتقالي من ترسيخ وجوده كلاعب سياسي على الأرض من خلال السيطرة على مناطق الجنوب وإدارة مؤسساته الأمنية والعسكرية بشكل فعّال مما أظهر أنه قوة لا يمكن تجاهلها في أي تسوية سياسية مستقبلية كما أقام المجلس تحالفات سياسية واسعة ونجح في بناء جسور مع الأطراف الدولية مما جعل القضية الجنوبية جزءًا من الحوارات الإقليمية والدولية المتعلقة بمستقبل اليمن.
  • "دور الإعلام الجنوبي في تسليط الضوء على القضية"
اللافت للنظر هو تجاهل الإعلام الجنوبي لهذا الموضوع المهم بدلًا من توجيه النقد البنّاء وتوضيح أسباب الفشل في تعديل المبادرة الخليجية اختار الإعلام الجنوبي التطرق لقضايا أخرى هذا التجاهل يعزز التساؤلات حول مدى حرية الإعلام في مناقشة مثل هذه الملفات الحساسة وهل يتم توجيهه بعيداً عن تقديم النصح والنقد البناء للمجلس الانتقالي؟ إن غياب الحوار الإعلامي المفتوح حول هذه القضية يضعف من قدرة الجنوبيين على ممارسة ضغط شعبي وسياسي لتحقيق أهدافهم .

في النهاية يبقى السؤال مطروحاً: هل فشل المجلس الانتقالي الجنوبي بالفعل في تعديل المبادرة الخليجية أم أن الفرصة لا تزال قائمة؟ على الرغم من التحديات التي تواجه المجلس إلا أن جهوده الكبيرة في إيصال القضية الجنوبية إلى المحافل الدولية تعد إنجازاً لا يمكن إغفاله ومع ذلك فإن المجلس بحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجيته لتعزيز دوره في المشهد السياسي اليمني وضمان تمثيل مصالح الجنوب بشكل أفضل أما الإعلام الجنوبي فيجب أن يضطلع بدوره في تحليل هذه القضايا بموضوعية وشفافية بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة.