طَلَعَت وضَرَبَت.. قِيل عادت إلى قواعدها سالمة، لكن لم يعُد بعدها شيئًا سالمًا، هي تركت خرابًا، وخلّفت دمارًا.

كان غزو الجنوب مدمرًا، مرة في 94 ومرة في 2015، لم نكن نرى في شوارع عدن خرابًا قبل هذه الأيام المشؤومة.

كانت المدينة لوحة جميلة منسّقة، بيوتًا وطُرُقًا ومرافق.

إنْ نَظَرْتَ يمنةً فلا ترى إلا ما تهوى نفسُك، وإنْ نَظَرْتَ يَسرةً يسرُّ خاطرُك، تحسُّ بأريحية بالتوازي مع جمال الأمكنة، وزينة المباني بشُرفاتها المُعلّقة، ونظافة الشوارع، وحركة المرور السلسة.

وأنت تسير في طرقات المدينة تحسُّ بانتشاء وسط سلوك حضاري يغشى الناس في الحارات والزِقاق، والأسواق، وأماكن التنزُّه.

صباح الخير يا "فندق عدن"، يا شارة المدينة في خور مكسر،

مازلنا نحفظ لون مبناك الأصيل، قبل أن تطمسه ألوان "خليجي 20"، كنتَ تنتصب كقطعة شوكولاتة محشوّة بالقشطة، مغلّفة بالكاكاو، رأيناك معلمًا بارزًا يبدو كمرآة صقيلة، نرى فيها صورة المدينة في الغدوِّ والرواح، كنتَ "فندق الشُّرفاء" ورمز دولة الجنوب.

هذا الخراب الذي نرى، كيف تستطيبهُ نفوسنا الأبيّة، كم سقطت دور، وتحطّمت آثار، ودُمّرت أبنية، ومازال الخراب قائمًا، كلّهم صمتوا يا عدن، بل تواروا فلم ينبسوا ببنت شفة!

نحن نشهدُ الآن خرابًا بألوان مختلفة، خراب المساكن، خراب المعيشة، خراب الخدمات، خراب العُملة، خراب القِيَم، خراب العقول، وربما خرجت عدن من خراب الحرب إلى خراب الفساد.

متى تستيقظ حكومة المناصفة من دوّامة العزوف عن البناء، وإعادة الإعمار؟

حتى متى سيظل هذا الركام من الحجارة والتراب، شاهدًا على الخراب الذي طال واستفحل، حتى أصبح صورة مألوفة.

كذا فعل بنا أصحاب الهضبة مرتين، وفعلنا بأنفسنا ألف مرّة، فلنستيقظ قبل أن تحلُّ الثالثة، فتكون "ثالثة الأثافي".

تنشد هيئة الأُمم بصحبة إيقاع البند السابع مخاطبة مجلس القيادة:

لا تُدبِّرْ لكَ أمـــــرا

فأُلو التدبير هَلْكَى

وارضَ عنّا إنْ حَكَمْنا

نحنُ أولى بِكَ مِنـكا

لن ينسى الناس في عدن أن مليارات ذهبت سُدى، استحوذ عليها الفساد، بينما خراب الأبنية مازال قائمًا منذ 10 سنوات من الحرب، فلا المنظمات بَنَتْ، ولا حكومة المناصفة ولا التحالف الغني، كلُّهم أعرضوا ونأوا بجانبهم، صبرًا يا عدن سيعود وجهك الصبيح شاءَ القوم أم أبوا، سيصفو الغدير بعد كَدَر العيش، كما غرّدَ الحسين بن مطير الأسدي:

وكمْ قد رأينا من تكدُّر عيشةٍ

وأخرى صفا بعد انكدارٍ غديرُها.