> عدن «الأيام» ريم رامي محمد:

​التحديات البيئية في اليمن.. كارثة تلوح في الأفق
اللجنة: نيابة الصناعة أغلقت المعمل سابقًا بسبب مخالفات جودة
تقرير: المصنع ينتج أكياسًا سوداء تشكل خطرًا

> الأكياس البلاستيكية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لكنها تمثل تحديًا بيئيًا خطيرًا يمتد أثره ليطال النظم البيئية البرية والبحرية. فرغم ما تقدمه من سهولة في الاستخدام، إلا أن تأثيرها البيئي يتجاوز حدود التلوث المرئي ليشكل تهديدًا جوهريًا على التوازن الطبيعي.


إذ تؤثر الأكياس البلاستيكية بشكل مباشر على صحة التربة والمياه. فعند التخلص منها بطرق غير سليمة، غالبا ما تدفن في التربة، مما يؤدي إلى تكوين حاجز مادي يعوق حركة المياه الطبيعية في الأرض. ومع مرور الوقت، تعيق هذه العوائق عملية الترطيب الضرورية، مما يحرم النباتات من المياه اللازمة لنموها السليم. كما أن تراكم هذه الأكياس يحد من تنفس التربة، ما يؤدي إلى تدهور خصوبتها ويهدد الاستدامة البيئية.


ولا تتوقف أضرار الأكياس عند اليابسة، بل تمتد إلى المسطحات المائية، حيث تتسبب في تلوث المجاري والبحيرات وتعيق تدفق المياه بشكل طبيعي. وفي حال دخولها إلى البحار والمحيطات، يمكن أن تتسبب في اختناق الكائنات البحرية أو تراكم مواد سامة في السلاسل الغذائية. ومن هنا، تتضح الحاجة الملحة إلى إيجاد حلول مبتكرة للتقليل من استخدامها وتشجيع البدائل الصديقة للبيئة، حفاظا على مواردنا الطبيعية ومستقبل بيئتنا.


وفي إطار الجهود المبذولة لتعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين، تابعت "الأيام" حملة رسمية نفذتها لجنة مكلفة من الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة. ضمت اللجنة مختصين من قسم الشؤون القانونية في الهيئة، إضافة إلى ممثل من مكتب وزارة الصناعة والتجارة في عدن. وشملت الحملة نزولًا ميدانيًا مفاجئًا إلى معمل لصناعة الأكياس البلاستيكية في حي "هناجر" بمنطقة العريش في مديرية خور مكسر.


وذكرت اللجنة المشتركة أن نيابة الصناعة والتجارة في عدن كانت قد أصدرت قرارًا بإغلاق المعمل، وذلك بسبب مخالفات تتعلق بجودة المنتجات، فضلا عن عدم التزامه بالمعايير البيئية والصحية المطلوبة. تأتي هذه الخطوة ضمن الجهود المستمرة لضبط معايير الجودة والحد من الأضرار البيئية الناجمة عن الصناعات غير الملتزمة بالمعايير المعتمدة.


وخلال النزول المفاجئ، قامت اللجنة بمراجعة الوضع الراهن للمعمل وتقييم مدى التزامه بالمعايير القياسية المعتمدة لصناعة الأكياس البلاستيكية. كما تم إعداد تقرير شامل ورفعه إلى نيابة الصناعة والتجارة في العاصمة عدن، متضمنًا الحالة العامة للمعمل والاشتراطات التي ينبغي الالتزام بها وفق المواصفات القياسية الصادرة عن هيئة المواصفات والمقاييس.


وأوضحت اللجنة أن بيئة المعمل تعاني من إهمال واضح، حيث لا تتوافر فيها شروط النظافة الأساسية الواجب توفرها في منشأة صناعية. كما أشار التقرير إلى وجود نقص في المعدات الضرورية، بما في ذلك عدم وجود وسائل تهوية وتكييف كافية، ما يؤثر سلبًا على سلامة بيئة العمل وصحة العمال، إضافة إلى تأثيره على جودة المنتجات المصنعة.


يأتي هذا التقييم في إطار مساعي الجهات المعنية لضمان الالتزام بمعايير الجودة، بهدف حماية المستهلك وتعزيز السلامة البيئية في قطاع الصناعة.


وفيما يتعلق بجودة الأكياس المنتجة، أشارت اللجنة إلى أن الأكياس المصنعة في المعمل لا تتمتع بالسماكة المطلوبة، إذ أنها خفيفة وسهلة التمزق، مما يقلل من جودتها ويقصر عمرها الافتراضي. كما أوضح التقرير الصادر عن لجنة المواصفات أن الأكياس السوداء التي ينتجها المعمل تشكل خطرًا بيئيًا نظرًا لاستخدام مواد لا تتوافق مع معايير السلامة البيئية، ما يزيد من احتمالية تسببها في تلوث البيئة سواء أثناء الاستخدام أو عند التخلص منها.


وفيما يخص الالتزام بالاشتراطات البيئية والصحية، أظهر التقرير أن المعمل يعاني من ضعف في التهوية، حيث يخلو من مراوح أو أجهزة تكييف لضمان جودة الهواء الداخلي. واعتبر التقرير أن هذا القصور يشكل تهديدًا لصحة العمال، فضلًا عن كونه مخالفة صريحة للمعايير البيئية المطلوبة.


كما أكدت اللجنة المشتركة، المكونة من ممثلين عن وزارة الصناعة والتجارة وهيئة المواصفات والمقاييس، أن المعمل لا يستوفي الشروط الصحية اللازمة لضمان سلامة العمال، وهو ما يعد إخلالًا بمواصفات السلامة العامة التي وضعتها هيئة المواصفات والمقاييس لضمان بيئة عمل آمنة ومستدامة.


إن التحديات البيئية المتزايدة، المتمثلة في التلوث الناتج عن الأنشطة الصناعية غير الملتزمة، إلى جانب مخلفات الحرب المستمرة، تشكل كارثة حقيقية تواجه اليمنيين في حاضرهم ومستقبلهم. فهذه القضايا لا تؤثر فقط على البيئة، بل تمتد تداعياتها لتطال الصحة العامة والموارد الحيوية التي يعتمد عليها المواطنون في حياتهم اليومية.


وبحسب تقارير فأن الوضع البيئي المتدهور، الناجم عن التلوث، واستخدام المواد غير المطابقة للمواصفات، يقضي على فرص التنمية المستدامة، ويزيد من مخاطر الأمراض التي تهدد صحة الأفراد. وفي الوقت ذاته، فإن المخلفات الناتجة عن النزاع المستمر تضيف عبئًا إضافيًا على كاهل المجتمع، مما يعقد من جهود إعادة الإعمار والتنمية.


يُعتبر التحدي البيئي في اليمن أزمة متعددة الأبعاد، تتطلب استجابة شاملة ومنسقة من جميع القطاعات، بما في ذلك الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. يتعين على جميع الأطراف المعنية العمل معًا لإيجاد حلول فعّالة، تبدأ بتعزيز الالتزام بالمعايير البيئية والصحية، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، والتوعية بأهمية الحفاظ على البيئة.


وخلال السنوات الأخيرة أطلقت العديد من الدعوات الرسمية وغير الرسمية للتصدي لهذه التحديات ووضعها على رأس الأولويات الوطنية، لضمان حماية الموارد الطبيعية وتعزيز جودة الحياة، وتمهيد الطريق نحو مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة. فالوقت ليس في صالحنا، ويتطلب الوضع الحالي إرادة قوية وإجراءات فورية لتفادي الكارثة البيئية التي تهدد مستقبل اليمن وشعبه.