كلاهما يتمتعان بإرث حضاري زال بسبب الصراع على السلطة وتعميق العصبية ونشر الفساد وكل ذلك دمر الأخلاق التي ميزتهما عن كثير من بقاع العالم.

اليمن شهدت تحولات كبيرة وخطيرة خلال أكثر من نصف قرن تراكمت إلى أن وصلت إلى أدنى مستوى لم تصله من قبل. وكذلك الشام ولنفس الفترة عانى شعبها الكثير لسياسة حكم العائلة الذي أعادها لآخر سلم الدول مجبرًا الملايين للنزوح واللجوء بحثًا عن الأمان أولا ثم الحياة البسيطة.

اليمن منذ 2011 دخل نفق المجهول ثم تعمق ذلك بانقلاب الحوثي والاستيلاء بتعاون عفاش على العاصمة وتمدد جنوبًا. ولولا مقاومة الجنوبيين وبدء عاصفة الحزم لكانت كل اليمن تحت الحكم الإيراني ومنذ ذلك فكل اليمن في الإنعاش للفشل والفساد شمالًا وجنوبًا.

والشام برغم محاولة إسقاط نظام الأسد عام 2011 الذي كاد أن ينهار لولا الدعم الروسي والإيراني وحزب الله آنذاك إلا أن فشل النظام في تعديل سياساته الداخلية بدرجة رئيسة وبالتدريج فقدانه لقراره السيادي مما جعل إيران تتحكم بحقدها الدفين لكل من هم خارج تابعيها من الطوائف المختلفة ناهيك عن بعدها عن حاضنتها العربية ورفضها للتقارب مع جارتها الشمالية تركيا.

اليمن بواقعه اليوم خاصة بعد التحولات المتسارعة في المنطقة وآخرها سقوط نظام الأسد أمامها فرصة ذهبية لن تتكرر تبدأ بإلغاء كل الأطراف مشاريعها التي ثبت فشلها بسبب تطلعها للسلطة فقط والبدء بالاعتراف بفشل كل المكونات الحاكمة والمعارضة بتقديم مشروع شامل يحل كل المشاكل المتعاقبة لعقود ويؤسس لمستقبل أفضل للجميع.

الشام بعد المنهجية المطمئنة التي بدأت من حلب واستكملته حتى دمشق أمامها اليوم امتحان صعب جدًّا أهم من سقوط النظام لكنه ليس مستحيلًا ويتجلى ذلك بمدى الاستفادة من الدروس المؤلمة لسياسات نظام الأسد وكذلك تلك التي مرت بها دول الربيع العربي وآخرها السودان التي قسمت النخب السياسية والاجتماعية المنتمين لمكونات أو المستقلة وفقا لأجندات إقليمية تمثل مصالح دول كبرى من خلال المال والسلاح المدمر لأوطانها تحت شعارات كاذبة ظاهرها وطني وهي عكس ذلك تماما.

اليمن فيها مميزات الموقع الاستراتيجي والثروات الطبيعية ناهيك عن الإنسان الذي ساهم في بناء عدة أوطان هاجر إليها وكل ذلك يحتاج فقط لأمن واستقرار من خلال صياغة مشروع وطن بدون عصبية وليس سلطة للصراع يعالج كل القضايا التي أهملت لعقود وأوصلتنا لما نحن فيه ومن أهمها العدالة والحقوق وفي مقدمتها العودة خطوة إلى الوراء بالاعتراف بفشل الوحدة الاندماجية منذ عام 1990 وترك ذلك لكل طرف يتبنى شكلا آخر للعلاقة حفاظا على أواصر الروابط التاريخية وبنظرة مستقبلية تعزز الأمن والاستقرار للمنطقة.

وبنفس الوقت السعي للطرفين شمالًا وجنوبًا لإرساء نموذج النظام الفيدرالي بتقسيم إداري جديد يتلاءم والرؤية المستقبلية للأجيال القادمة، بدون ذلك ستظل زعامات الفشل والفساد تتصدر بشعاراتها الزائفة المشهد وتضيع الفرصة للتغيير الحقيقي..

الشام بكل مميزاته التي لا تختلف عن اليمن كذلك أمامه مستقبل زاهر إذا أعد المشروع الوطني الذي يعيد سوريا لمكانتها العالية وذلك بعدم تكرار أخطاء نظام الأسد وكذلك الابتعاد عن التجاذبات للصراعات الإقليمية والتركيز على أن تكون سوريا لكل السوريين بعيدة عن التجربة اللبنانية الطائفية المدمرة ولا التبعية لأحد.

السوريون رجالًا ونساءً كانوا ولازالوا رغم كل المحن فخرًا ونموذجًا للعربي النشط حيثما حل وخيراتهم متنوعة تكفي لهم ولأجيالهم وتزيد.

الأهم البداية الصحيحة لحكماء سوريا وهم كثيرون.

دعوات الرسول لليمن والشام رسائل ربانية والأيام القادمة ستظهر مدى حكمة قادة الشام التي أضاعها قادة اليمن.