> "الأيام" القدس العربي:

​جاء اتصال رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، مساء الثلاثاء، برئيس حلف قبائل حضرموت، رئيس مؤتمر حضرموت الجامع، وكيل أول محافظة حضرموت شرقي اليمن، عمرو بن حبريش، ليدفع إلى السطح بتفاؤل مفاده الذهاب بالأزمة في حضرموت إلى شاطئ الحل، لا سيما هو أول اتصال هاتفي من العليمي بابن حبريش منذ تصاعد الأزمة في منتصف العام الماضي، وبالتالي هو اعتراف ضمني بأن الحلف صار رأس حربة في حل الأزمة وامتصاص التوتر هناك، لكن المكالمة في ذات الوقت قد تكون مجرد مناورة للتهدئة في ظل ما تواجهه الحكومة من تصعيد في أكثر من محافظة في مناطق نفوذها جراء تردي الخدمات واستمرار انهيار العملة.

لكن بين المتفائل والمتشائم يؤكد واقع الحال أن المكالمة الهاتفية تمثل تحولًا على طريق ذهاب «الرئاسي» للتعامل الإيجابي مع «الحلف» والملف الحضرمي، وهو الأمر الذي لا بد منه لوضع حد للاحتقان هناك، مع ما صار إليه التوتر في محافظات أخرى في الآونة الأخيرة.

كما تمثل المكالمة اعترافًا بالحلف كطرف في حل الأزمة في حضرموت، بالإضافة إلى ما عبّر عنه ابن حبريش من تأكيد على التعامل مع حلف قبائل حضرموت ممثلًا للمحافظة في المشاورات السياسية، من خلال مؤتمر حضرموت الجامع، وهو، في حال تم، يمثل تهديدًا وجوديًا في حضرموت للمجلس الانتقالي الجنوبي ولمشروعه الانفصالي ولادعائه تمثيل محافظات الجنوب اليمني كافة، بالإضافة إلى ما يمكن قراءته على صعيد علاقة «الرئاسي» بالانتقالي، وهو ما ذهبت إليه تقارير إعلامية محلية مؤخرًا، من أن هناك خلافات بين رئيس مجلس القيادة ورئيس المجلس الانتقالي عضو المجلس الرئاسي، عيدروس الزُبيدي، على خلفية الأزمة القائمة حاليًا، والتي تتصدرها عدن، جراء تفاقم انقطاع الكهرباء، وتردي الخدمات، والانهيار المتوالي في قيمة العملة، وهو ما يتحمل الانتقالي، من وجهة نظر الحكومة، جزءًا كبيرًا من المسؤولية إزاءها باعتبار ميليشياته هي المسيطرة على عدن أمنيًا وعسكريًا، بالإضافة إلى كونه شريكًا في الحكومة والمجلس الرئاسي، ويتولى إدارة عدد من أهم الحقائب الوزارية الخدمية، ويعيق عمل الأجهزة التنفيذية من خلال ما يمارسه من فساد في التعامل مع الإيرادات في المحافظات التي يسيطر عليها.

رئيس حلف قبائل حضرموت، عمرو بن حبريش، استخدم في تدوينته الأخيرة المنشورة في حسابه وحساب الحلف على «فيسبوك» صفته الرسمية والحكومية، وكيل أول محافظة حضرموت، بجانب صفته رئيس الحلف ورئيس المؤتمر الجامع، وهي التدوينة التي نشر فيها ما يخص المكالمة الهاتفية، التي دارت بينه ورئيس المجلس الرئاسي قائلًا: «في اتصال هاتفي جمعنا برئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي، مساء الثلاثاء 11 فبراير2025، أكدنا من خلاله على استحقاقات حضرموت، بما في ذلك تحقيق الحكم الذاتي، وأن لا سلام دون أن تكون حضرموت حاضرة طرفًا مستقلًا ممثلة بحلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع شراكة فاعلة ضمن المعادلة السياسية اليمنية، وأن المجتمع يترقب خطوات تنفيذية ملموسة بما يسهم فعليًا في انتشال الحياة المعيشية للناس، وكذا تعزيز الجوانب الخدمية المتردية».

ما تضمنته التدوينة يؤكد تمسك الحلف بمسألتين هامتين: الحكم الذاتي، ومشاركة حضرموت كطرف مستقبل في مشاورات التسوية، أو ما سماها (المعادلة السياسية اليمنية)، ممثلًا في مؤتمر حضرموت الجامع، وهو بهذا يتجاوز أو لا يعترف بمجلس حضرموت الوطني، الذي تدعمه الرياض، وكذلك يُخرِج حضرموت من معادلة مشروع «الانتقالي»، الذي يُقدّم نفسه ممثلًا لجنوب اليمن بمحافظاته كافة كما سبقت الإشارة، مما يدفع، في حال تمت الموافقة على هذه المطالب، إلى تغييرات جوهرية في المشهد السياسي لحضرموت.

كما أكد أبن حبريش أنهم ينتظرون في حضرموت «خطوات تنفيذية ملموسة لما يسهم فعليًا في انتشال الحياة المعيشية للناس، وكذا تعزيز الجوانب الخدمية المتردية». لم يشر ابن حبريش، في تدوينته، للخطة التنفيذية المزمّنة لخطة «الرئاسي» لتطبيع الأوضاع في المحافظة، التي أصدرها «الرئاسي» في السابع من يناير الماضي، وهو الأمر (الخطة التنفيذية) الذي كان محور خلاف بين الحلف و«الرئاسي» في محطات التصعيد الأخيرة من قِبل الحلف، لكن إشارته إلى «خطوات تنفيذية لما يسهم فعليًا في انتشال الحياة المعيشية للناس» قد تمثل تنويهًا بذلك، أو تجاوزًا لها في الوقت ذاته.

في الموازاة، التقى رئيس مجلس الوزراء، أحمد عوض بن مبارك، الأربعاء، محافظ حضرموت، مبخوت بن ماضي، في الرياض. ووفق الوكالة الحكومية فقد ناقش اللقاء «الأوضاع الخدمية والتنموية في المحافظة، والخطط المعدة لتجاوز التعقيدات الراهنة، بما يؤدي إلى النهوض بالوضع الخدمي والمعيشي للمواطنين». كما تطرق «إلى الحلول العاجلة للحفاظ على استقرار الخدمات، إضافة إلى الأوضاع الأمنية، وواجبات والتزامات السلطة المحلية في إسناد جهود الحكومة لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي وتعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد».

لم يتطرق اللقاء لخطة تطبيع الأوضاع أيضًا، ولعله بذلك لا يريد خلق عقدة جديدة في العلاقة بين السلطة المركزية وحلف قبائل حضرموت، باعتباره المعنيّ طرفًا في تنفيذ الخطة، انطلاقًا من الخلاف القائم بين السلطة المحلية في المحافظة والحلف. لكن يأتي اللقاء، على ما يبدو، في سياق واحد يتبناه «الرئاسي» يذهب من خلاله لحلحلة الأزمة في حضرموت، في ظل تفاقمها داخل الحكومة المعترف بها دوليًا، مع تصاعد الاحتجاجات والسخط الشعبي جراء استمرار تردي الأوضاع المعيشية، وتدهور الخدمات، وتوالي حلقات انهيار العملة، بل وصل الحال إلى خروج تسريبات تتحدث عن تعديل حكومي مرتقب، قد يشمل رئيس مجلس الوزراء، الذي مضى على تعيينه عام ونيف، ويتعرض لهجمة يتهمه فيها كثير من المدونين بالعجز عن تحقيق اختراق في جدار الأزمة الاقتصادية ووضع حد للفساد، بل زادت الأزمة تعقيدًا واستمرت العملة في الانهيار وصولًا إلى مستويات غير متوقعة.

مما لا شك فيه أن الأزمة في حضرموت لها خصوصية سياسية انطلاقًا من الأهمية الاستراتيجية للمحافظة جغرافيًا واقتصاديًا، أما الطابع الاقتصادي للأزمة (الأوضاع المعيشية المتردية) فهي تكاد تكون مشكلة متفاقمة تعاني منها جميع المحافظات الواقعة في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًا جراء سوء إدارة الشأن العام، وغياب الشفافية، ما عزز من حضور الفساد بشكل غير مسبوق في تاريخ الدولة اليمنية الحديثة.