> رشا عمار:

تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من بناء شبكة مالية واسعة في أفريقيا، مستغلة الثغرات الاقتصادية وهشاشة الأنظمة المالية لتعزيز وجودها ونفوذها. ولم يكن النشاط المالي للإخوان مجرد استثمارات عادية، بل امتد ليشمل عمليات تمويل مشبوهة، تضمنت دعم الجماعات المسلحة، واستخدام المؤسسات الخيرية كغطاء لجمع الأموال، فضلًا عن توظيف شركات تجارية في عمليات غسل الأموال. هذه الشبكة المعقدة لعبت دورًا رئيسًا في استدامة أنشطة الجماعة وساعدتها في تنفيذ أجنداتها السياسية داخل القارة وخارجها.
  • الانتشار المالي في الدول الأفريقية
تمتد الشبكة المالية للإخوان عبر عدة دول أفريقية، وتختلف طبيعة الأنشطة المالية وفقًا للبيئة السياسية والاقتصادية في كل دولة. ويُعدّ السودان، وليبيا، والصومال، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا، من أبرز الدول التي شهدت وجودًا ماليًّا نشطًا للجماعة. ففي السودان، لأعوام طويلة، تمتعت الجماعة بنفوذ اقتصادي واسع خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير، وحصلت على تسهيلات لإنشاء مؤسسات مالية وشركات استثمارية تعمل في مجالات مختلفة.

وفي ليبيا استغلت الجماعة الفوضى السياسية لتعزيز نفوذها المالي، وتمكنت من السيطرة على بعض القطاعات الاقتصادية، لا سيّما البنوك والاستثمارات العقارية، وفي الصومال اعتمد الإخوان على نظام الحوالات المالية غير الرسمي، واستخدمت شركات التحويل كقنوات لإرسال الأموال بعيدًا عن الرقابة المصرفية.

بحسب الباحث في شؤون التنظيمات الإرهابية أحمد سلطان، في دراسته المنشورة بمركز تريندز للبحوث والاستشارات، تحت عنوان: "الإخوان في جنوب أفريقيا: قاعدة التنظيم للتغلغل في القارة السمراء"، أخذ نشاط الإخوان في دولة جنوب أفريقيا منحى جديدًا عام 2011، مستفيدًا من حالة الزخم التي اكتسبتها الجماعة في مصر والمنطقة العربية، وجرى إنشاء العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تعمل كشبكة مظلّية للجماعة في هذا البلد الأفريقي.

وعلى صعيد آخر، استخدمت جماعة الإخوان جنوب أفريقيا قاعدة انطلاق لنشر دعوة الإخوان في عدد من دول جنوب القارة، ومن بينها موزمبيق وزيمبابوي، وحتى مالاوي وجزر القمر وغيرها...، التي ضُمت إلى قطاع جنوب أفريقيا وشرقها، وهو القيادة الإقليمية لجماعة الإخوان في المنطقة، ويتكون أيّ قطاع من دول عدة تنشط فيها أفرع رسمية، أي معتمدة من المرشد العام ومكتب الإرشاد (العالمي) للإخوان، وهو ما يتبين من مراجعة وثائق مسربة من أرشيف جماعة الإخوان بمصر تعود إلى عام 2012.
  • الواجهات الاقتصادية والقطاعات المستهدفة
شهدت نيجيريا تنامي الأنشطة المالية للإخوان، وتوسعت الجماعة في قطاعات مثل التعليم، والاستثمار الزراعي، والتجارة. وارتبط بعض رجال الأعمال المنتمين للجماعة بدعم مالي لتنظيمات متطرفة مثل بوكو حرام. أمّا في جنوب أفريقيا، فقد استخدمت الجماعة البلاد كمركز لغسل الأموال والاستثمار في الذهب والعقارات. وعملت بعض الشركات التي يديرها رجال أعمال مرتبطون بالإخوان واجهة لتسهيل التحويلات المالية بين أفريقيا والشرق الأوسط، لا سيّما تركيا وقطر.
  • أبرز الشخصيات المرتبطة بتمويل الإخوان
لعب عدد من الشخصيات دورًا رئيسًا في إدارة العمليات المالية للإخوان في أفريقيا، حيث استخدمت الجماعة واجهات اقتصادية مختلفة لتمرير الأموال وتمويل أنشطتها.

ويُعدّ يوسف ندا أحد أبرز العقول المدبرة للتمويلات الخارجية للإخوان، كما برز علي الصلابي في تسهيل التحويلات المالية إلى ليبيا لدعم الجماعات المسلحة بعد 2011، كذلك كان إبراهيم منير مسؤولًا عن الشبكات المالية للجماعة في الخارج، وقد أشرف على عمليات نقل الأموال من أوروبا إلى الدول الأفريقية لدعم أنشطة الجماعة.

وعلى مستوى الشركات، استخدمت الجماعة عدداً من المؤسسات كواجهات لأنشطتها المالية، منها شركات الحوالات المالية مثل "دهابان إكسبرس" في الصومال، وشركات تجارية تعمل في قطاعات الأغذية والملابس تُستخدم كقنوات لغسل الأموال، بالإضافة إلى منظمات خيرية تعمل في السودان ونيجيريا، استُغلت لجمع التبرعات وتمرير الأموال إلى الجماعة.
  • تمويل الإرهاب والتطرف في أفريقيا
لم تقتصر أنشطة الإخوان المالية في أفريقيا على دعم الجماعة ذاتها، بل امتدت إلى تمويل جماعات مسلحة وتنظيمات متطرفة ساهمت في زعزعة استقرار عدد من الدول. فقد كشفت تقارير دولية أنّ الجماعة قامت بتحويل أموال إلى حركة الشباب الصومالية عبر شركات تجارية تعمل في قطاع الاستيراد والتصدير، كما استُخدمت الجمعيات الخيرية كواجهة لتقديم دعم مالي للحركة. كذلك تورط رجال أعمال مرتبطون بالإخوان في تقديم دعم مالي لتنظيم بوكو حرام في نيجيريا، حيث تم استخدام شبكات تجارية لجمع الأموال وتمريرها إلى التنظيم الذي نفذ هجمات دامية.
  • الإجراءات الحكومية لمكافحة التمويل غير المشروع
في الأعوام الأخيرة بدأت بعض الحكومات الأفريقية في اتخاذ إجراءات لمكافحة التمويل غير المشروع للإخوان، وتم فرض قيود على أنشطة الجمعيات الخيرية المرتبطة بالجماعة، وإغلاق شركات مالية يشتبه في تورطها في غسل الأموال. ففي السودان قامت الحكومة الانتقالية بمراجعة الاستثمارات التي كانت تخضع لسيطرة الإخوان، وفي الصومال فرضت السلطات قيودًا على بعض شركات الحوالات المالية، أمّا في ليبيا، فتعمل الأجهزة الأمنية على تتبع شبكات التمويل التي استخدمتها الجماعة لدعم الميليشيات.

وبحسب مراقبين، تمثل الشبكة المالية للإخوان في أفريقيا تحديًّا كبيرًا لاستقرار العديد من الدول، ولا تقتصر أنشطتها على التجارة والاستثمار، بل تمتد إلى تمويل الجماعات المسلحة وغسل الأموال. ومع تزايد الضغوط الدولية لمكافحة الإرهاب والتمويلات غير المشروعة، بات من الضروري تكثيف الجهود لتفكيك هذه الشبكات وتعزيز الرقابة المالية، لمنع الجماعة من استخدام أفريقيا كساحة لإدارة أنشطتها المالية والسياسية.

* صحفية مصرية .. "حفريات"