ظَفْرت الخميس الفائت بالعدد (8221) من صحيفة "الأيام" الورقية، ولا يكاد قارئ يحصل عليها في الأكشاك إلّا إذا غدا مبكِّراً.

بدأ لي وأنا افتح الجريدة أن قصة "الأيام" رحلة ثريّة منذ العميد المؤسس رحمهُ الله.

صباح أمس السبت وقع بين يدي العدد (13421) من صحيفة "العرب" اللندنية "نسخة الكترونية"، جذبني عنوان في إحدى صفحاتها.. "حفيد الملك فاروق يغادر حياة مريحة في باريس".

بعد أن حدّقتُ مليّاً في عناوين الصفحة الأولى من الصحيفة فتحتُ بنهم الصحيفة، وجئتُ على وسط العدد، الصفحة 8 و9، وآثرتُ أن لا أغادر المكان حتى أقرأهُ سطراً سطراً، فوقعتُ في شغف بين صفحتين، جذبتني العناوين وهي ثلاثة: "مساجد فلسطين.. أصوات الجغرافيا المقدسة" و "الأسواق وأماكن بيع أكلات رمضان في عدن أيام زمان" و "أيوب طارش والتواشيح الدينية في اليمن".

كان كلاماً كامل الدسم، وسطورا يفوح منها عبَق التاريخ، ويكأنهُ مسيرة عطاء الصحيفة في قصة المجد حين تتّسق السطور بأشواق الصدور، كأن "الأيام" تقولُ لجمهورها العريض:

انظرْ فما زالتْ تُطِلُّ من الثَّرَى

صور تكادُ لحُسنها تتكلمُ

كانت الثلاث الصور هذه المرّة رمضانية.

رأيتُ بين السطور دِقّة إحساس من يكتب وهو يفيض بالخواطر التي تستولي على الخاطر، وكيف أن الصحيفة تنتقي العذق الممتلئ، والقَطْف المُغدِق، حتى كأنها الشجرة اليانعة.

نسيتُ وأنا أُحلِّق بين السطور، سطوة الدولار، وكابوس الغلاء، وحَنَق الشعب من حكومة فاشلة.

قرأتُ عن المسجد الإبراهيمي بقبابه التاريخية في مقالة رغداء عتمة أنها تحوي قبور النبي إبراهيم وزوجته سارة وأبناءه إسحق وإسماعيل، ويعقوب ويوسف وزوجاتهم عليهم السلام.

وقرأتُ في تقرير عبد القادر باراس عن مشروب "لمليت الفارسي" الذي كان يشتريه الناس قبل آذان المغرب في رمضان من "البمبة" الخاصة بالفارسي وهو من المشروبات الغازية الذي سبق الستيم والكندا دراي والميرندا وكوكا كولا وغيرها كما ذكر التقرير.

وفي المادة الثالثة ذهب بنا فخر العزب نحو "جلاء القلب" و "رمضان يا شهر الصيام الأوحدِ" لفنان بدأ مشواره الفني من مدينة عدن.

ما كان لصحيفة أن تجمع هذه القطوف بين صفحتين فتثير كل هذا الشَّجَن، وتبعث في روح القارئ الحنين إلى الزمن الجميل، وإذاً حُقّ لها أنْ تُقرأ من السطر الى السطر، خبراً وتقريراً وثقافة وأدباً ورياضة، وقد قيل (دع الأيام تفعل ما تشاءُ).

لمّا قرأتُ أن التصوف في حياة الفنان أيوب طارش قيمة ثرية تضاف إلى رصيده كفنان ملتزم رجعتُ إلى تقرير صحيفة العرب اللندنية المعنون بـ "حفيد الملك فاروق يغادر حياة مريحة في باريس" تذكرت أيضاً أنّ لأيوب إضافة إلى التواشيح الدينية أغاني تحثُّ المغترب للعودة إلى الوطن من قبيل "ارجع لحولك" زِدْ عليها "وامفارق بلاد النور وعد اللقاء حان" وغيرها.

اكتشفتُ مجدداً أن بين صفحات "الأيام" وعد اللقاء بكل جميل وأنيق، وهي الأجدر في ملامسة الأرواح، حين تسبر بكلماتها أغوار النفوس، وتشق بسطورها طريقاً أخضراً إلى القلوب، وكل ذلك بمهنية عالية لا تقدر على محاكاتها صحيفة ولا مطبوعة، إذْ هو إرثْ في عالم الإبداع يستحيل منافسته.

أتدرون ماذا قال حفيد الملك فاروق وهو يغادر باريس عائداً إلى مصر قال: "عدتُ لأُحافظ على إرث العائلة".

أما زوجته التي تنحدر من الأسرة الملكية الأفغانية قالت لهُ قبل المغادرة: "حان الوقت للعودة، لنعيش في الشرق وليتعرف أطفالنا على جذورهم الحقيقية قدر الإمكان".

إنها كلمات تناسب هذا الصوت النَّغَمي الأيوبي: "وامفارق بلاد النور وعد اللقاء حان".

أردتُ أن أستروح قليلا، وأروّح على القارئ الكريم، فكل الوعود تتحقق إلّا وعد حكومة مبارك.