حينما يعتكر صفو الليل بسواده، وتطل النجوم خجولة من وراء السحب، أجدني في كوخي المتهالك على شاطئ الجميلة عدن، حيث الأمواج تهمس بأسرارها للرمل، والريح تحمل أنين الماضي القريب. هنا في إنماء بمواجهة مديرية التواهي، حيث البحر يلثم اليابسة بلعاب أمواجه المالحة، أستدعي فصلا من زمن كان يحمل بين طياته نبض قلب جنوبي طموح، وحلما لم يكتمل إلا كسراب يلمع ثم يغيب.
كان الحلم يرافقني كظل وفي، حلم رسمناه بأنامل متآخية مع الراحلين الصادقين، أولئك الذين سقطوا مثل نجوم الصباح قبل أن يبزغ فجر الاستقلال. كنا نخطط لسفينة تبحر بعيدا عن أعاصير التمزق والمناطقية، سفينة من خشب الأمل المعتق، تحمل في جوفها أطفالا يغنون للوطن، وشيوخا يروون حكايات الكرامة. لكن الساعة الآن تشير إلى أن الزمن قد دار بنا كالثعبان يلتف على ذاته، فقفز الجميع على ظهر السفينة، حتى أولئك الذين كانوا بالأمس يطلقون الرصاص على أشرعتها.
ها هم اليوم يعودون، ليتربعون على صواري الحلم، يقطعون حبال الأماني ويثقبون بدن السفينة بفؤوس الجشع. كلما ارتفع صوت الموج هاتفا: "احذروا الغرق"، ازدادوا عربدة في إغراق ما تبقى من ألواح النجاة. لقد صار الحلم غريبا في مركبه، كأنما الراحلون الصادقون كانوا الحملة الوحيدين لهذا البحر، وبعد رحيلهم، تحول البحر إلى جب من ظلام.
أكتب الآن وأنا أسمع صرير السفينة وهي تغوص، بينما تلقى الأمواج بجثث الأحلام على شاطئ الذاكرة. هل كان حلمنا وهما؟ أم أننا نعيش في زمن لم يخلق لأحلام الكبار؟ أسئلة تطفو مثل رغوة الموج، لا إجابة لها سوى عويل الريح في ليلة يغيب فيها القمر عن سماء عدن كأنما المدينة أغلقت عينيها لتغمض جرحا نزف حتى الثمالة.
كان الحلم يرافقني كظل وفي، حلم رسمناه بأنامل متآخية مع الراحلين الصادقين، أولئك الذين سقطوا مثل نجوم الصباح قبل أن يبزغ فجر الاستقلال. كنا نخطط لسفينة تبحر بعيدا عن أعاصير التمزق والمناطقية، سفينة من خشب الأمل المعتق، تحمل في جوفها أطفالا يغنون للوطن، وشيوخا يروون حكايات الكرامة. لكن الساعة الآن تشير إلى أن الزمن قد دار بنا كالثعبان يلتف على ذاته، فقفز الجميع على ظهر السفينة، حتى أولئك الذين كانوا بالأمس يطلقون الرصاص على أشرعتها.
ها هم اليوم يعودون، ليتربعون على صواري الحلم، يقطعون حبال الأماني ويثقبون بدن السفينة بفؤوس الجشع. كلما ارتفع صوت الموج هاتفا: "احذروا الغرق"، ازدادوا عربدة في إغراق ما تبقى من ألواح النجاة. لقد صار الحلم غريبا في مركبه، كأنما الراحلون الصادقون كانوا الحملة الوحيدين لهذا البحر، وبعد رحيلهم، تحول البحر إلى جب من ظلام.
أكتب الآن وأنا أسمع صرير السفينة وهي تغوص، بينما تلقى الأمواج بجثث الأحلام على شاطئ الذاكرة. هل كان حلمنا وهما؟ أم أننا نعيش في زمن لم يخلق لأحلام الكبار؟ أسئلة تطفو مثل رغوة الموج، لا إجابة لها سوى عويل الريح في ليلة يغيب فيها القمر عن سماء عدن كأنما المدينة أغلقت عينيها لتغمض جرحا نزف حتى الثمالة.