> تقرير/ هشام عطيري:

  • محامون يكشفون أبعاد وتداعيات تهريب المتهم بقتل الحمال راضي عليان
  • عبدالحليم رزق: السلطة والنفوذ درع الهاربين من العدالة
  • عصمت عبدالواحد: ضعف أجهزة الدولة وتراخي النيابة يقوّض الأمن العام
  • أكرم الشاطري: تراخي النيابة في تنفيذ القانون يهدد العدالة ويشجع على الإفلات من العقاب
> في واحدة من أكثر القضايا التي أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والحقوقية بمحافظة لحج، تعالت أصوات المحامين والحقوقيين على خلفية تسهيل هروب متهم بجريمة قتل من السجن المركزي بمدينة صبر.

الحادثة، التي طغى عليها صمت رسمي وقرارات متباينة من الجهات المعنية، فتحت الباب واسعًا أمام تساؤلات مشروعة حول مصير العدالة، وهيبة القانون، ودور السلطات الأمنية والقضائية في إنفاذ أحكام الدولة.

وقفة سابقة تضامنية مع قضية الحمال راضي عليان
وقفة سابقة تضامنية مع قضية الحمال راضي عليان

وبينما تتصاعد المطالبات الشعبية والقانونية بمحاسبة المتورطين، تبرز تحذيرات من خطورة التراخي في مثل هذه القضايا التي تمس جوهر الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. في هذا التقرير، نستعرض آراء قانونية وتحليلات متعمقة قدمها عدد من المحامين والخبراء، يكشفون من خلالها أبعاد هذه الجريمة المركبة، وتداعياتها القانونية والاجتماعية، مطالبين بإجراءات صارمة تعيد للعدالة اعتبارها.

كشفت مصادر حقوقية أن نيابة الأمن والبحث والسجون سلمت نيابة الاستئناف ملف التحقيقات الخاصة بتسهيل هروب متهم بقتل الحمال راضي من السجن المركزي بلحج، والمتهم فيها قائد نقطة الحسيني ومدير السجن المركزي وآخرون.

المجني عليه راضي عليان
المجني عليه راضي عليان

وأشارت المصادر إلى أن نيابة الاستئناف قامت بتحويل الملف إلى نيابة تبن لاستكمال الإجراءات القانونية بعد إجازة العيد. كما كشفت المصادر عن صدور توجيهات من النيابة بالإفراج عن المتورطين في تسهيل هروب المتهم بقتل الحمال راضي، الذي لا يزال فارًا حتى لحظة كتابة هذا التقرير، وهو ما أثار موجة استياء واسعة ومطالبات بإعادة المتهم إلى السجن ومحاسبة المسؤولين عن تهريبه.

محامون وحقوقيون أدلوا بتفاصيل قانونية وآراء حيال هذه القضية، محذرين من آثارها الوخيمة على الثقة في العدالة وعلى أمن المجتمع.

يقول المحامي عبدالحليم رزق إن تهريب المتهم وتداعياته على حقوق المجني عليهم وأولياء الدم وعلى المجتمع تقع تحت عبارة "من أمن العقاب أساء الأدب". وأوضح أن من خطط ونفذ جريمة تهريب المتهم بقتل المجني عليه راضي أحمد عوض عليان لم يكن ليُقدم على فعلته لولا اقتناعه العميق بعدم وجود رادع.

وأشار إلى أن مرتكبي هذه الجريمة يتمتعون بصفة سلطوية، حيث أن أحدهم مأمور ضبط قضائي والآخر قائد نقطة، وبالتالي لديهم السلطة والنفوذ الذي يحميهم من الإجراءات القانونية.

وأضاف أن الإجراءات التي اتخذها وكيل نيابة البحث والسجون لم يتم تنفيذها، مما يؤكد وجود خلل حقيقي يعزز حديثه حول انعدام الردع. وأكد أن العقوبة المنصوص عليها في المادة 191 من قانون العقوبات رقم 12 لا تلبي الغاية ولا تجبر الضرر الناتج عن الجريمة، مما يجعلها عاملًا مساعدًا ودافعًا لاقتراف مثل هذه الجرائم.

وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات عقابية إدارية حازمة ضد المتهمين، بدءًا من تجريدهم من صفاتهم الوظيفية، مرورًا بتنفيذ أوامر الحبس الاحتياطي، وانتهاءً بإيقاع العقوبات التكميلية من قبل القضاء لضمان حقوق المجني عليهم وحق المجتمع.


وطالب بإسناد إدارة المنشآت العقابية إلى ذوي الخبرة والكفاءة، والذين لا تغلب عليهم النزعات القبلية أو المحاباة. كما دعا النائب العام للحفاظ على ما تبقى من كرامة المواطنين في تبن والحوطة، مؤكدًا أن هذه الجريمة تهدد الثقة في مؤسسات الدولة، وقد تؤدي إلى لجوء المواطنين إلى أخذ حقوقهم بأيديهم بعيدًا عن القانون، وهو ما ينذر بفتن وعواقب وخيمة.

من جهته، أوضح المحامي والمستشار القانوني عصمت عبدالواحد عبدالرحيم أن هروب متهم من السجن يُعد جريمة خطيرة تهدد الأمن العام والنظام القانوني.

واستند إلى المادة 40 من قانون تنظيم مصلحة السجون اليمني رقم 26 لسنة 2003، التي تنص على معاقبة كل من يساعد أو يسهل هروب أحد المساجين بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات أو بغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف ريال، مع مضاعفة العقوبة في حال كان الفاعل أحد العاملين بالسجن.

وأشار عبدالواحد إلى أن النيابة العامة، التي من المفترض أن تلعب دورًا هامًا في تطبيق القانون وتحقيق العدالة، تتراخى أحيانًا في مثل هذه الوقائع، مما يعكس فشلًا في أداء الواجب الوظيفي وفسادًا واضحًا.
عصمت عبدالواحد
عصمت عبدالواحد


وأكد أن الإهمال والتراخي في مثل هذه الحالات يعكس ضعف أجهزة الدولة، ويستوجب فرض عقوبات إدارية مثل الإقالة والتنبيه والإنذار، بالإضافة إلى العقوبات الجنائية المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 لسنة 1994.

من جانبه، أكد المستشار أكرم الشاطري، رئيس منظمة أحرار لحقوق الإنسان والتنمية ورئيس هيئة مكافحة الفساد في جنوب اليمن، أن تهريب السجناء هو انتهاك صارخ لحقوق الضحايا، ويمثل إخفاقًا للجهات الأمنية في أداء دورها بحماية المواطنين.

وسرد واقعة مقتل المواطن راضي عليان من منطقة الخداد بتبن، الذي قُتل على يد أحد أفراد النقطة الأمنية بالحسيني بعد مشادة كلامية بسبب رفضه خصم نصف أجرته من عمله بالحمالة لصالح أحد الجنود، في 30 يناير الماضي.

اكرم الشاطري
اكرم الشاطري
وأشار الشاطري إلى أن الانتهاك لم يتوقف عند واقعة القتل، بل تمادت الجهات الأمنية بتسهيل إخراج المتهم من السجن عدة مرات بحجة الزيارات الخاصة، رغم استمرار التحقيقات القضائية، حتى تم تهريبه قبل إحالة القضية للمحكمة.

وأوضح أن هذه الواقعة كشفت عن وقائع مماثلة أخرى حصلت في سجن صبر المركزي، حيث تم إخراج متهمين من السجن بعلاقات شخصية، في مخالفة صريحة للقانون.

وأشار إلى أن القانون اليمني رقم 12 لسنة 1994 ينص في مادتيه 190 و191 على عقوبات واضحة بحق من يسهل أو يساهم في هروب المتهمين، سواء بالإخفاء أو العنف أو الإهمال، كما ينص قانون تنظيم السجون رقم 48 لسنة 1991 في مادتيه 40 و41 على عقوبات مضاعفة في حال ارتكب الفعل أحد العاملين بالسجن.

وانتقد الشاطري النيابة العامة، مؤكدًا أنها تتراخى في تنفيذ القانون، وتصدر أوامر بالإفراج عن المتورطين، كما حصل في قضية المتهم علي عمر، ما يمثل تواطؤًا صريحًا مع الجناة.

وطالب بإصدار أوامر فورية بتوقيف القادة الأمنيين المتورطين، وسرعة إحالتهم للقضاء، بالإضافة إلى تفعيل الرقابة على السجون وأداء مسؤوليها، كاشفًا عن وجود قضية أخرى رفض فيها مدير سجن صبر تسليم متهم بجريمة قتل عمد إلى القضاء، رغم صدور أوامر قضائية بذلك، في ظل صمت النيابة العامة.

تسليط الضوء من قبل المحامين والحقوقيين على قضية تسهيل هروب متهم بقتل من السجن في لحج، يكشف حجم الخلل المؤسسي والتواطؤ والضعف في الأجهزة الأمنية والعدلية، ويؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لتطبيق القانون وضمان العدالة. فما لم يتم ذلك، فإن الثقة في الدولة والقانون ستكون في مهب الريح.