ترتقي حضرموت مرتقى سامقًا؛ بل وباذخًا إذا قيس كل امرئ على ما يحتوي.

هنا سيكون الوقوف عند حضرموت التاريخ والحضارة والعبقرية الفذة؛ دون أن نهلك أسى على طريقة ابنهم الطريد امرئ القيس بن حجر الكندي، وإنما وقوف الفاحص المتأمل للخصوصية الحضرمية دون أن تأخذنا العزة بالإثم، ودون أن تأمرنا النفس الأمارة بالسوء أن ندس أخشامنا في (جبح) العسل الحضرمي بأكثر مما يفعل ابن الوادي أو الساحل أو الصحراء، فنفسد العشاء على أصحابه، ونغدو بهلوانيين في سيرك هو ليس ملعبنا بالأساس، وليس مستساغًا أن نكون ملوكًا أكثر من الملك أو بالتصريح لا التلميح: أن نكون حضارم أكثر من الحضارم أنفسهم.

قد يكون لنا شأن؛ وأي شأن، إذا أتينا الأحقاف كعارض ممطر دون أن يختبأ العذاب في ثنايا غمامنا، لنعلم أن شأن حضرموت بالمقام الأول هو لحضرموت، وإن كان للجنوب كجنوب دور فهو في تجميع الكل الحضرمي لا تجزئته، وأن دورنا حقًّا في التوحيد لا التبديد، وأن نطفئ ما استطعنا لذلك سبيلًا النار في مهدها، لا أن ننفخ في كير الفتنة التي ستأكل الأخضر واليابس، متذكرين قول نصر بن سيار:

أرى بين الرماد وميض جمر

ويوشك أن يكون له ضرام

فإن النار بالعودين تذكى

وأن الحرب أولها كلام

نحن كجنوب حريص على حضرموت وهي بالنسبة لنا أقرب من حبل الوريد، ولكن بأن نتعامل مع الوضع الراهن بعين واحدة، ونضم أصواتنا مع أصوات الخيرين من أبناء حضرموت الباحثة عن حل جمعي تخرج به بلادهم من أزمتها؛ حضرموت الوادي والساحل والصحراء، وتتجاوب معه حضرموت حيث ما ارتحلت حضرموت أو حلت، في عوالم الأمس أو اليوم، وندع لحضرموت الكلمة العليا والرأي الفصل والقرار الصائب وتحدد هي مصيرها من ذات نفسها.

ولدينا ثقة أن الحضارم لهم من الحكمة والدراية ما يزن جبل (ضبضب) وأما الجنوب ففاتح ذراعيه دائمًا لحضرموت، وحاشا لله أن يضم الجنوب هاتين اليدين أو يسربل والعياذ بالله.

أما القوى الأخرى من خارج الجنوب؛ وتحديدًا المنطقة العسكرية الثانية بتكويناتها غير الحضرمية، فإن عليها مغادرة المشهد تمامًا ولملمة خيرها - إن كان لها خير - وشرها والخروج من حضرموت، وأن مسألة خروجها هي مسألة مصيرية قطعية بالنسبة لحضرموت والجنوب أيضًا.

والله من وراء القصد...