أوروبا التي نراها اليوم في أوج ازدهارها واستقرارها كانت تخوض حروبًا دامت ثلاثون عامًا بسبب سيطرة الكنيسة على مجريات الحياة المدنية والاجتماعية فيها، مما ولد أحقادًا وتناحرات دينية وعرقية خلفت ملايين القتلى والجرحى، ولم تنته تلك الحروب المدمرة إلا بإمعان العقل وإقرار صلح في العام 1648، والذي أقر بمبدأ علمنه السياسة وإبعاد الكنيسة عنها، فأنشئت الدساتير الوضعية لتنظم الشعوب بمختلف فئاتها وانتماءاتها الدينية والمذهبية وباختلاف اللون والجنس والأصل أو العرق، فكل الناس متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات في إطار دولة المواطنة المتساوية، وبذلك استقرت أوروبا وازدهرت، وبالمقابل نحن كشعوب عربية وإسلامية نعيش لعدة قرون نفس دوامة أوروبا من الصراعات والحروب التي دمرت معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية بسبب هيمنة الإسلام السياسي بشقية الشيعي والسني، وما زاد هذا التدمير بروز تيارات موغلة في التطرف أمثال القاعدة وداعش، والتي هي أذرع عسكرية لتلك التيارات الدينية، وتدار من قبلها، وهناك دول إقليمية غير عربية (إيران – تركيا – إسرائيل) ركبت موجة التطرف الديني واستفادت من أدواته في تقويض استقرار الدول العربية منها ما حصل للعراق، وليبيا وتونس، وسوريا، ولبنان، واليمن، والسودان ما هو إلا نتاج لهذا التطرف، حيث تباهت إيران بإسقاط عدد أربع عواصم عربية هي :(بيروت – بغداد – دمشق – صنعاء) وخططت لإسقاط العاصمة الخامسة (عمان – الأردن) عبر تماهيها مع جماعة الإخوان في الأردن، إلا أن يقظة النظام الأردني وأجهزته الأمنية كانت بالمرصاد لهذا المخطط الجهنمي وأحبطته، وقامت فورًا بتصنيف جماعة الإخوان من الجماعات الإرهابية.

إن أحداث الأردن تعطي دلالات وإشارات إلى استمرار التآمر على الوطن العربي باسم الدين الإسلامي والدين منهم براء، المعنى بأننا نرى الدول العربية تتهاوى واحدة تلو الأخرى، ألم يحن الوقت كي نحيد الإسلام السياسي وليس الدين الإسلامي - حتى لا يصطاد البعض هذا الطرح - عن حياتنا المدنية كما فعلت أوروبا ونعمل على تقويض التيارات الدينية المتطرفة. ما أحوجنا لإعادة الدور الأخلاقي والمجتمعي للدين الإسلامي في دور تعبدنا ومجتمعاتنا بدلًا من إقحامه في الحياة السياسية من قبل تلك التيارات الدينية ودغدغة مشاعر المجتمعات العربية المتدينة بطبعها لمآرب سياسية بعيدًا عن مبتغيات الدين الحنيف.. لابد من وقفة جادة أمام ما يحصل، ونستفيد من غضب الخلاص من هذه التيارات الدينية المتطرفة هذه الأيام من قبل دول كبرى استخدمتها لفترة وشعرت بأنها أصبحت تهدد مصالحها، فحانت الفرصة لاقتناص حالات الإضعاف التي حلت بتلك التيارات لتحجيمها وعزلها، حيث يقع الدور الأكبر للقيام بذلك على الدول المحورية ومنها المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر والأردن لنحافظ على ما تبقى من كياناتنا العربية.