في بلد أنهكته الحروب، ومزقته الانقسامات، لا يكفي أن ننادي بالتعايش وكأنه مجرد شعار نعلقه على الجدران.

فالتعايش الحقيقي لا يُبنى على الألم، ولا يُطلب عبر الصمت عن المعاناة، ولا يُفرض على الناس وهم يرزحون تحت نير الجوع والظلم والعيش في الظلام وكأنها أقدار لا تُرد؛ بل يُبنى على الكرامة الإنسانية، ويقوم على عهدٍ بحياة تليق بالإنسان، كل إنسان.

وليس معناه أن نطلب من كادحٍ أنهكه التعب أن يبتسم رغم الجوع، ولا أن نبارك الصبر على حساب الحق في الحياة الكريمة. فحين ننادي بالتعايش، فإننا نطلب فتح أبواب العدالة قبل أن نطلب فتح القلوب.

فالتعايش وعدٌ بأن لا يعيش أحدنا مقهورًا، ولا مظلومًا، ولا منسيًا في زاوية النسيان. إنه نداءٌ لتعزيز التعليم، لأن العقل المتعلم وحده من يعرف قيمة الحرية والاحترام، ويرفض التعصب والجهل.

وهو نداءٌ لتكريم المعلم، الذي يصنع من الكلمات جسورًا للعبور من ظلمات التخلف إلى أنوار الحضارة.

كما هو دعوة لعدم استقصاء دور المرأة أو دفن طموحاتها. فتمكينها ليس ترفًا ولا شعارًا إضافيًا، بل هو تمكين لروح المجتمع ذاته، هو ضمان أن ينمو الوطن متوازنًا بين جناحيه، الرجل والمرأة معًا، فهما شراكة من أجل بناء مستقبل زاهر.

ولا معنى للتعايش الحقيقي ما لم يكن الإنسان البسيط، محور كل فكرة وكل مشروع، أي العامل الذي يحمل رزقه فوق كتفه، الفلاح الذي يغرس الأمل في الأرض، الأم التي تخبئ حلم أطفالها في قلبها، المعلم الذي يشعل شموع المستقبل في كل عقل، وشرطي المرور الذي يسهر ليصل كل قلب إلى داره بأمان، والطبيب الذي يخفف وجع الأجساد والأرواح، والعامل الذي ينظف الطرقات ليزرع النظافة في قلوبنا قبل أن يزرعها في الشوارع.

حين ننادي بالتعايش، فإننا ننادي بأن لا يبيت طفلٌ جائعًا، ولا تُقهر نفسٌ حُرّة، ولا يذل كادحٌ شريف، ولا تُدفن موهبةٌ فتية، ولا ينام الناس في ظلامٍ حالك ولا تحت حر لا يطاق.

التعايش ليس مساومةً على الحقوق، بل هو التزامٌ عميق بأن كرامة الإنسان فوق كل اعتبار.

هو وعدٌ بأن العدالة، والتعليم، والرحمة، والرخاء، والصحة، والأمل، ستكون الأرض التي نقف عليها معًا.

هذا هو التعايش الذي نحلم به، وهذا هو الإنسان الذي نؤمن به، وهذا هو اليمن الذي نستحقه جميعًا... يمن العدالة والنور والكرامة.

ودمتم سالمين.