في زمن التحولات الكبرى، يصبح للكلمة ثقل الرصاص، وللمواقف تبعات لا يمكن تداركها بالعذر أو التبرير. كثيرون يخلطون بين العفوية كحالة شعورية صادقة، والارتجال كفعل غير محسوب، هذا الخلط، حين يتسلل إلى المشهد السياسي، يتحول إلى عبء، بل إلى خطرٍ حقيقي.

العفوية قد تكون محمودة حين تُبنى على وعي وصدق، لكنها تصبح مدمّرة إذا صدرت دون إدراك لحجم اللحظة، وتعقيدات الواقع، وتشابكات الصراع. أما الارتجال، فهو الوجه الآخر للسطحية، وأحيانًا للتسرّع أو السذاجة، عندما يتحول صاحبه إلى ناطق غير رسمي باسم قضية شعب، دون تفويض أو دراية.

في جنوبنا الذي يخوض معركة مصيرية لاستعادة هويته وقراره، لم يعد في الوقت متسع للعبارات العابرة، ولا للمواقف غير المنضبطة، ولا حتى لـ"النيات الطيبة" إن كانت على حساب تضحيات أجيال.

فارق دقيق يفصل بين العفوية التي تنبع من انتماء حقيقي، وبين الارتجال الذي يصدر عن رغبة في الظهور، أو تهورٍ في التصريح. ذلك الفارق، إن لم يُدرك في وقته، قد يكلفنا كثيرًا... قد يكلفنا وطنًا.

لهذا، فإن الالتزام بخطاب سياسي مسؤول، واعٍ، منضبط، ليس تقييدًا للحرية، بل وفاء للدماء، واحترامٌ لحجم التحديات، وتعبير عن نُضج المشروع الجنوبي.

ليُدرك الجميع أن كل كلمة تُقال اليوم، هي سهم في معركة، فإما أن تُصيب العدو... أو تخطئ وتصيبنا نحن.