> "الأيام» العين الإخبارية:
في اليوم العالمي للنحل الذي يصادف 20 من مايو من كل عام تعود الأنظار مجددًا إلى اليمن، موطن أحد أندر وأجود أنواع العسل في العالم، عسل السدر الشهير الذي لم يزل حتى اليوم يحتفظ بمكانته الرفيعة في الأسواق العالمية، نظراً لنقاوته الفائقة وتركيزه العالي ومصدره النباتي الفريد، لكن خلف هذه الشهرة المتوارثة، يعيش قطاع العسل في اليمن حالة من التراجع الحاد والانكماش، بفعل تضافر ثلاثي قاتل: التغير المناخي، والحرب المستمرة منذ تسع سنوات، والمبيدات السامة التي تُستخدم بشكل عشوائي دون رقابة.
وإذا استمر هذا التدهور، فإن اليمن مهدد بفقدان أحد أبرز مصادر دخله الزراعي، وأكثر المنتجات الطبيعية ارتباطًا بهويته البيئية والاقتصادية والثقافية.

وكانت هذه البيئات تشكل مراعي طبيعية مثالية للنحل اليمني، الذي يحتفظ هو الآخر بسلالات نادرة متميزة بالقدرة على التكيّف والإنتاج في الظروف الصعبة. إلا أن هذه البيئة اليوم تتآكل بصورة سريعة، لأسباب متعددة باتت تهدد بانهيار شامل لقطاع العسل.
ويضيف الصبيحي في حديثه لـ "رواها 360": "كان النحالون يعتمدون على مواسم الأمطار لتنقل خلاياهم إلى المراعي الموسمية، لكن تغيّر نمط المناخ خفّض عدد الأيام التي تتفتح فيها الأزهار، وأدى إلى فترات جفاف طويلة لا يستطيع النحل النجاة فيها دون تغذية إضافية، وهي مكلفة جداً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية".
ويشير إلى أن التغير المناخي أيضًا أثّر في التلقيح الطبيعي، ما يعني انخفاض إنتاجية الأشجار والنباتات، وهو ما يعمّق من الأزمة البيئية في البلاد.

الشرفي يدعو إلى تدخل رسمي عاجل من الهيئة العامة لحماية البيئة ووزارة الزراعة، لتقييد دخول هذه السموم، وتنظيم استخدامها وفقًا لمعايير تراعي صحة البيئة والنحل والإنسان على حد سواء.
خالد الحكيمي، استشاري في تربية النحل، يوضح أن طرق التنقل أصبحت محفوفة بالمخاطر، حيث تُمنع حركة الشاحنات في بعض المناطق أو تُفرض رسوم وقيود عند النقاط الأمنية، ما جعل بعض النحالين يتخلون عن التنقل الموسمي، الأمر الذي أثر سلبًا على الكمية والجودة.
ويقول: "أصبح إنتاج العسل أكثر صعوبة من أي وقت مضى، وتكاليفه ارتفعت بشدة، في وقت تراجعت فيه القوة الشرائية محليًا وتقلّصت فرص التصدير بسبب الحرب وتعقيدات الشحن والجمارك".
وكان العسل اليمني يُعد من السلع الاستراتيجية الخمس بحسب تصنيف الحكومة اليمنية في عام 2003، إلى جانب البنّ والأسماك والفواكه والقطن. كما كان يمثل مصدر دخلٍ لنحو 100 ألف أسرة بحسب تقارير برنامج الأغذية العالمي، لكن هذه السمعة بدأت تتآكل في ظل تراجع الرقابة وفقدان الهوية التجارية المميزة للعسل اليمني.
ويؤكد الحكيمي أن غياب المختبرات المتخصصة لتحليل جودة العسل محليًا، واستيراد منتجات أجنبية تُباع على أنها عسل يمني، كل ذلك ساهم في ضرب الثقة بالمنتج، رغم أن كثيرًا من المنتجين لا يزالون محافظين على طرق التربية التقليدية.
ومع ذلك، تبقى هذه المقترحات رهينة الاستقرار السياسي والتعافي الاقتصادي. وحتى ذلك الحين، فإن "نحلة اليمن" تواجه خطر الاختفاء التدريجي، في بلد لطالما كانت رائحته تفوح برحيق السدر والسمر، وصوته يطنّ بعسلٍ كان يُعد بين الأغلى والأجود في العالم.
لم تكن التحديات البيئية وحدها من تهدد النحل في اليمن، فالحرب التي اندلعت في البلاد منذ أكثر من تسع سنوات، ألقت بظلالها الثقيلة على كل مظاهر الحياة، بما في ذلك قطاع النحالة وإنتاج العسل. فقد أدى الصراع العسكري المستمر، والانقسام السياسي، وتدهور مؤسسات الدولة إلى تعطيل سلاسل الإنتاج والتسويق، وغياب الرقابة الرسمية على الأسواق والمبيدات، فضلًا عن تقييد حركة النحالين الذين اعتادوا التنقل بمناحلهم بين الأودية والمراعي المختلفة وفقًا للمواسم.
ويعيش اليمن اليوم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم، حيث تجاوزت معدلات الفقر 80 %، وانهارت العملة المحلية، وتوقفت معظم مشاريع الدعم الزراعي والتنمية الريفية، مما أضعف قدرة النحالين على الاستثمار في خلايا النحل أو شراء المعدات أو تعويض خسائرهم الموسمية.
ومع شح الموارد وغياب الاستقرار، ازدهرت الأسواق السوداء ودخلت مبيدات زراعية خطرة ومجهولة المصدر دون أي ضوابط، مما ضاعف من نسب نفوق النحل بشكل غير مسبوق. كما أن انعدام الكهرباء دفع الكثيرين إلى استخدام الفحم والحطب كمصدر بديل للطاقة، ما أدى إلى زيادة وتيرة الاحتطاب الجائر وفقدان الغطاء النباتي، وهو ما قلص من المساحات الرعوية الطبيعية التي يعتمد عليها النحل في تغذيته وتكاثره.
ويرى خبراء في البيئة والزراعة أن هذا التراكم المتداخل بين الحرب والأزمة الاقتصادية والتغير المناخي لا يشكل خطرًا على قطاع العسل فحسب، بل على البيئة اليمنية بالكامل وعلى سبل عيش عشرات آلاف الأسر الريفية التي تعتمد على النحل كمورد دخل شبه وحيد. فاليمن لا يواجه أزمة موسمية عابرة في إنتاج العسل، بل يقف أمام تحدٍّ وطني متصاعد يهدد أحد أهم موارده البيئية والاقتصادية والتراثية.
ويحذر ناشطون ومنظمات بيئية من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل حقيقي من الحكومة والجهات الدولية المختصة قد يؤدي إلى انهيار شبه كامل لهذا القطاع الحيوي خلال السنوات القليلة المقبلة، ما لم يتم تبني سياسات عاجلة تشمل دعم النحالين، وتنظيم استخدام المبيدات، وحماية البيئة، وتشجيع البحث العلمي الزراعي، خصوصًا في ما يتعلق بتأثيرات المناخ على التنوع البيولوجي في اليمن.
وإذا استمر هذا التدهور، فإن اليمن مهدد بفقدان أحد أبرز مصادر دخله الزراعي، وأكثر المنتجات الطبيعية ارتباطًا بهويته البيئية والاقتصادية والثقافية.
- إرث في مهب العاصفة
على مدى عقود، ارتبط العسل اليمني ببيئته الطبيعية الغنية، وخصوصًا مناطق إنتاج عسل السدر مثل وادي دوعن في حضرموت، وجبال رازح في صعدة، ومرتفعات آنس في ذمار، وغيرها من المناطق التي تزخر بأشجار السدر والسمر والطلح والنباتات العطرية.

وكانت هذه البيئات تشكل مراعي طبيعية مثالية للنحل اليمني، الذي يحتفظ هو الآخر بسلالات نادرة متميزة بالقدرة على التكيّف والإنتاج في الظروف الصعبة. إلا أن هذه البيئة اليوم تتآكل بصورة سريعة، لأسباب متعددة باتت تهدد بانهيار شامل لقطاع العسل.
- التغير المناخي.. سنوات عجاف
ويضيف الصبيحي في حديثه لـ "رواها 360": "كان النحالون يعتمدون على مواسم الأمطار لتنقل خلاياهم إلى المراعي الموسمية، لكن تغيّر نمط المناخ خفّض عدد الأيام التي تتفتح فيها الأزهار، وأدى إلى فترات جفاف طويلة لا يستطيع النحل النجاة فيها دون تغذية إضافية، وهي مكلفة جداً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية".
ويشير إلى أن التغير المناخي أيضًا أثّر في التلقيح الطبيعي، ما يعني انخفاض إنتاجية الأشجار والنباتات، وهو ما يعمّق من الأزمة البيئية في البلاد.
- المبيدات.. القاتل الصامت
المهندس الزراعي صالح حسين الشرفي يوضح أن كثيراً من النحالين خسروا نصف إنتاجهم في السنوات الأخيرة بسبب رش المبيدات على المحاصيل دون تنسيق مع من يملكون خلايا نحل قرب المزارع، ويقول لـ "رواها 360": "النحل يلتقط الرحيق من الأزهار المسمّمة، فيموت خلال ساعات. وقد رصدنا حالات نفوق جماعية في إب وريمة والبيضاء وغيرها من المناطق".

الشرفي يدعو إلى تدخل رسمي عاجل من الهيئة العامة لحماية البيئة ووزارة الزراعة، لتقييد دخول هذه السموم، وتنظيم استخدامها وفقًا لمعايير تراعي صحة البيئة والنحل والإنسان على حد سواء.
- الحرب.. تقييد التنقل وكبح الإنتاج
خالد الحكيمي، استشاري في تربية النحل، يوضح أن طرق التنقل أصبحت محفوفة بالمخاطر، حيث تُمنع حركة الشاحنات في بعض المناطق أو تُفرض رسوم وقيود عند النقاط الأمنية، ما جعل بعض النحالين يتخلون عن التنقل الموسمي، الأمر الذي أثر سلبًا على الكمية والجودة.
ويقول: "أصبح إنتاج العسل أكثر صعوبة من أي وقت مضى، وتكاليفه ارتفعت بشدة، في وقت تراجعت فيه القوة الشرائية محليًا وتقلّصت فرص التصدير بسبب الحرب وتعقيدات الشحن والجمارك".
- سمعة العسل اليمني تتآكل
وكان العسل اليمني يُعد من السلع الاستراتيجية الخمس بحسب تصنيف الحكومة اليمنية في عام 2003، إلى جانب البنّ والأسماك والفواكه والقطن. كما كان يمثل مصدر دخلٍ لنحو 100 ألف أسرة بحسب تقارير برنامج الأغذية العالمي، لكن هذه السمعة بدأت تتآكل في ظل تراجع الرقابة وفقدان الهوية التجارية المميزة للعسل اليمني.
ويؤكد الحكيمي أن غياب المختبرات المتخصصة لتحليل جودة العسل محليًا، واستيراد منتجات أجنبية تُباع على أنها عسل يمني، كل ذلك ساهم في ضرب الثقة بالمنتج، رغم أن كثيرًا من المنتجين لا يزالون محافظين على طرق التربية التقليدية.
- هل مازال بالإمكان إنقاذ العسل اليمني؟
ومع ذلك، تبقى هذه المقترحات رهينة الاستقرار السياسي والتعافي الاقتصادي. وحتى ذلك الحين، فإن "نحلة اليمن" تواجه خطر الاختفاء التدريجي، في بلد لطالما كانت رائحته تفوح برحيق السدر والسمر، وصوته يطنّ بعسلٍ كان يُعد بين الأغلى والأجود في العالم.
لم تكن التحديات البيئية وحدها من تهدد النحل في اليمن، فالحرب التي اندلعت في البلاد منذ أكثر من تسع سنوات، ألقت بظلالها الثقيلة على كل مظاهر الحياة، بما في ذلك قطاع النحالة وإنتاج العسل. فقد أدى الصراع العسكري المستمر، والانقسام السياسي، وتدهور مؤسسات الدولة إلى تعطيل سلاسل الإنتاج والتسويق، وغياب الرقابة الرسمية على الأسواق والمبيدات، فضلًا عن تقييد حركة النحالين الذين اعتادوا التنقل بمناحلهم بين الأودية والمراعي المختلفة وفقًا للمواسم.
ويعيش اليمن اليوم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم، حيث تجاوزت معدلات الفقر 80 %، وانهارت العملة المحلية، وتوقفت معظم مشاريع الدعم الزراعي والتنمية الريفية، مما أضعف قدرة النحالين على الاستثمار في خلايا النحل أو شراء المعدات أو تعويض خسائرهم الموسمية.
ومع شح الموارد وغياب الاستقرار، ازدهرت الأسواق السوداء ودخلت مبيدات زراعية خطرة ومجهولة المصدر دون أي ضوابط، مما ضاعف من نسب نفوق النحل بشكل غير مسبوق. كما أن انعدام الكهرباء دفع الكثيرين إلى استخدام الفحم والحطب كمصدر بديل للطاقة، ما أدى إلى زيادة وتيرة الاحتطاب الجائر وفقدان الغطاء النباتي، وهو ما قلص من المساحات الرعوية الطبيعية التي يعتمد عليها النحل في تغذيته وتكاثره.
ويرى خبراء في البيئة والزراعة أن هذا التراكم المتداخل بين الحرب والأزمة الاقتصادية والتغير المناخي لا يشكل خطرًا على قطاع العسل فحسب، بل على البيئة اليمنية بالكامل وعلى سبل عيش عشرات آلاف الأسر الريفية التي تعتمد على النحل كمورد دخل شبه وحيد. فاليمن لا يواجه أزمة موسمية عابرة في إنتاج العسل، بل يقف أمام تحدٍّ وطني متصاعد يهدد أحد أهم موارده البيئية والاقتصادية والتراثية.
ويحذر ناشطون ومنظمات بيئية من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل حقيقي من الحكومة والجهات الدولية المختصة قد يؤدي إلى انهيار شبه كامل لهذا القطاع الحيوي خلال السنوات القليلة المقبلة، ما لم يتم تبني سياسات عاجلة تشمل دعم النحالين، وتنظيم استخدام المبيدات، وحماية البيئة، وتشجيع البحث العلمي الزراعي، خصوصًا في ما يتعلق بتأثيرات المناخ على التنوع البيولوجي في اليمن.