> عبداللاه سُميح:

يرى خبراء ومحللون أن جماعة الحوثي تتحيّن الوقت المناسب لبدء دور تصعيدي أوسع في المنطقة، يعزز موقف إيران التي لا تزال تبحث عن خياراتها التالية، في ظل تزايد الضغوط الدولية، عقب موجة العمليات العسكرية الإسرائيلية التي شاركت فيها الولايات المتحدة.

ومطلع الأسبوع الجاري، أعلنت جماعة الحوثي مسؤوليتها عن هجوم صاروخي على إسرائيل، طال موقعًا "حساسًا في منطقة بئر السبع"، إلى جانب تبنيها بضع هجمات أخرى أطلقت الأسبوع الماضي، على مواقع "حساسة ومنشآت عسكرية"، حسب بيان ناطقها العسكري.

وتوعّد الحوثيون، بـ"عدم التخلي عن الشعب الفلسطيني، مهما كانت التداعيات"، والاستمرار في عمليات "الإسناد"، حتى وقف الهجوم الإسرائيلي على غزة، ورفع الحصار عنها.

وبحسب الخبراء، فإن إيران التي التقطت أنفاسها مؤخرًا بعد وقف إطلاق النار، باتت بحاجة ملحة إلى إعادة ضبط ميزان القوة وتحسين موقفها التفاوضي بشكل غير مباشر، عبر ما تبقى من أدواتها التقليدية في المنطقة، لتفادي الدخول في مواجهة مباشرة جديدة.
  • إشارات ودوافع
يقول المحلل السياسي، خالد عبدالهادي، إن الحوثيين لا يزالون يرسلون إشارات مختلفة لتأكيد استعدادهم للعب دور إقليمي أكبر، تعزيزًا للموقف الإيراني، باعتبار أن ذلك "جزء أصيل من أدوارهم الوظيفية".

وأشار إلى أن ذلك يتوقف على عدة عوامل، أهمها "استخلاصات إيران والحوثيين من حرب الـ12 يومًا بين إسرائيل وإيران؛ إذ لا بدّ مِن أن النظام الإيراني يجري تقييمات، ومراجعات ربما يصل في إحداها إلى حقيقة مفادها: أن اهتمامه بأذرعه الإقليمية قد جرفه عن اهتمامه بالداخل".

وذكر عبدالهادي، أن العامل الآخر مرتبط بالحوثيين أنفسهم، "فلربما قد يكونون هم الهدف التالي للتدمير في قائمة وكلاء إيران، بعد ضربها واستهدافها مباشرة".

وتابع: "حتى الآن، ما زال الحوثيون يؤدون دورهم تحت يافطة إسناد غزة، في حين أن الضربات التي تبادلوها مع الإسرائيليين والأمريكيين لم تحسم شيئًا، وهذه إشارات تدل على أن الحسم مؤجل".

ووفق تقدير عبدالهادي، فإن هذين العاملين "سيسهمان إلى حد ما، في رسم مستقبل الدور الحوثي في الداخل والخارج".
  • ركيزة مربحة
ويعتقد الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية، أحمد شبح، أن الحوثيين مقبلون على دور رئيس في الفترة القادمة، خدمة لمصلحة طهران وإعادة تموضعها، وفق قواعد الاشتباك الجديدة التي فرضتها التطورات الأخيرة.

وقال شبح، إن إيران تعتبر الحوثيين ركيزة أساسية مربحة لها في المنطقة، وذلك لاعتبارات كثيرة، بينها نظرتها الخاصة لهم كقوة تمكنت من تطوير نفسها، ولديها طموح متزايد بعد الحضور الإقليمي، فضلًا عن تواجدها في موقع جغرافي حيوي واستراتيجي قرب مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وإلى الجنوب من الجزيرة العربية.

وفيما يتعلق بمدى الجاهزية، يؤكد شبح أنه لا يزال لدى الحوثيين مخزون لا يستهان به من القدرات العسكرية والاستراتيجية والتقنيات التي تؤهلهم للعب دور مستقبلي، سواء كان ذلك لإسناد إيران بشكل مباشر، أو لممارسة دور يخص الجماعة نفسها.
  • امتداد صاروخي
من جهته، يرى محلل الشؤون الأمنية، عاصم المجاهد، أن الضربات الأمريكية المتتالية منذ بداية العام الجاري، دمّرت جزءًا من قدرات الحوثيين العسكرية، "لكنها لم تفكك البنية بشكل كامل، فالجماعة لا تزال تمتلك مخزونًا من المسيرات والصواريخ التي تم تهريبها مجزأة وأعيد تركيبها داخليًّا ضمن ما يعرف بـ(الهندسة الارتجاعية) للقدرات الإيرانية".

وطبقًا لحديثه، فإن المسألة الآن ليست مقتصرة على ما لدى الحوثيين، بل إن الأهم "هو أن طهران – وفق معطيات استخبارية متقاطعة – تعمل فعليًّا على نقل جزء من برنامجها الصاروخي إلى اليمن، بالطبع ليس كل البرنامج، لكن ما يكفي لخلق إزعاج إقليمي مزمن".

وقال المجاهد، إن إيران "تعتمد مقاربة ذكية في توزيع الأدوات، فإذا تعرض المركز للضغط فإن الأطراف تبدأ بالتحرك لتوسيع الفاتورة على الخصم، ولذلك هي تراهن على الحوثيين ضمن حسابات استنزاف متعددة الجبهات، خاصة إذا ما بدأت مؤشرات المواجهة المباشرة بينها وبين إسرائيل تتصاعد بشكل أكثر حدّة".

لكنه استبعد توسّع دور الحوثيين الإقليمي بشكل تلقائي، مشيرًا إلى حاجتهم للدعم المتجدد، خاصة ما يتعلق بقطع الغيار أو الكوادر الفنية أو إدارة البيانات اللوجستية للضربات بعيدة المدى، "وبالتالي، إن تم تقليص الخبراء الإيرانيين المتواجدين في اليمن أو سحبهم كليًّا، أو جرى قطع بعض خطوط الإمداد، فهنا سيظهر التراجع تدريجيًّا بكل تأكيد".
  • ارتباك المركز
في المقابل، يشير المحلل السياسي، د. حسن القطوي، إلى حالة الضعف التي تعانيها إيران بعد الضربات الإسرائيلية والأمريكية المؤثرة التي طالت منشآتها وقواعدها الحساسة وقادتها العسكريين وعلماءها النوويين، "وهو الأمر الذي يجعلها غير قادرة على مواصلة الدور ذاته".

وقال القطوي، إن الأذرع الإيرانية ذاتها تكاد تكون مشلولة في الوقت الراهن، "إذ لا تزال الضربات الإسرائيلية تتصيد قيادات حزب الله اللبناني وتستهدف مواقعه في جنوب لبنان، رغم اتفاقات وقف إطلاق النار، بينما لم يجرؤ الحزب على أدنى رد، في ظل حالة الوهن التي يعانيها".

وبرأيه، فإن ذلك ينطبق كذلك على الحوثيين "الذين يعيشون أضعف حالاتهم، وباتوا غير قادرين على مواصلة الحرب الخارجية، لأن الضربات ستكون أكثر قسوة عليهم، خاصة أن إسرائيل تسعى لانتهاز الفرصة لاستكمال إجهازها على بقية أطراف المحور الإيراني بعد معركتها من طهران".

وفيما يتعلق بتهديدات الحوثيين البحرية، ذكر القطوي أن الولايات المتحدة وضعت للحوثيين هامش مناورة معيّنًا للمشاغلة في البحر الأحمر، في حدود اللعبة المطلوبة، وذلك بهدف تعزيز تواجدها في المنطقة لمواجهة الصين، "لكن عندما بدأ الحوثيون في تجاوز الخطوط الحمراء، من خلال التنسيق مع بكين واستقبال الأموال منها، بدأت واشنطن ضرباتها الموجعة مؤخرًا، ولم تتوقف إلا بعد ورود مؤشرات واضحة على التزام الحوثيين بعدم التعرض للسفن الأمريكية.
  • سيناريوهات متوقعة
بدوره، قال خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية، الدكتور علي الذهب، إن تصعيد الحوثيين المحتمل، يأتي وفق سيناريوهين اثنين، أولهما: المشاركة العسكرية البحرية، إذا ما نشبت مواجهة تنخرط فيها الولايات المتحدة ضد إيران، طبقًا لِما قطعوه من تعهد.

وأضاف أن ذلك متوقف على قدرات الحوثيين العسكرية ومدى استدامتها، "وهذا يعني أنهم سيكونون بحاجة ماسّة إلى دعم كبير، سواء كان إيرانيا أو من قبل مصادر أخرى، لأن هذا التدخل لن يكون في مصلحة طهران فحسب، بل يخدم مشروع الحوثيين ويبقيهم قوة إقليمية أو حتى عالمية".

وبحسب الذهب، فإن عمليات الحوثيين وفق هذا السيناريو، تستهدف الأصول العسكرية الأمريكية، وفي حال اتساع نطاق الحرب، قد تشمل ضرباتهم السفن التجارية الأمريكية أو ما يرتبط بها، "لكن في المقابل، ستكون واشنطن أكثر عنفًا تجاههم مما فعلت في عملياتها الأخيرة".

وأشار إلى أن السيناريو الآخر متعلق باستمرار إسرائيل في مواجهتها ضد إيران، "وسواء توقفت الحرب في غزة أو لم تتوقف، فإن الحوثيين سيكونون أداة فاعلة في التصعيد".

"إرم نيوز"