لكل قلب نغمة ولكل مدينة لحن وفي اليمن يتداخل النغم مع الوجدان، وتصبح الأغنية أكثر من مجرد صوت أو طرب، بل روحًا نابضة بالحياة تصدح في وجه الصمت المطبق، وتواجه الضجيج والرصاص بنداء السلام.

في هذا اليوم، لا نحتفي فقط بالألحان والأنغام، بل نحتفي بالحياة ذاتها. نحتفي بصوت "الدان الحضرمي" الهادئ، وهو ينساب في ليالي حضرموت كالنسيم، ونحتفي بـ "الزامل" الجبلي الشامخ، وهو يعلو في قمم صعدة بإباء، وبنغمات تهامة الدافئة، ومقامات صنعاء العتيقة التي تحكي تاريخًا من الفن والجمال.

الأغنية اليمنية ليست ترفًا فنّيًا نلوذ به في لحظات الهروب، بل هي وثيقة حب لهذا الوطن الجريح، سجلٌّ شفويٌّ لحكايات الناس وحنينهم، لبكاء القرى وصخب المدن، لوجع المنفى وأمل العودة، لصبر الأمهات ولهفة العشاق، ولإيمان البسطاء بأن الغد لا بد أن يكون أجمل.

ومن هنا تبدأ المسؤولية من البيت. فكما نعلّم أبناءنا الكلام، علينا أن نعلّمهم الطرب. افتحوا لهم أبواب المقامات قبل أن تطرق آذانهم أصوات البنادق. علّموهم كيف يُصغون للنغم، كي لا يصغوا لنداء الكراهية، وليصبح صوت القتال نشازًا يرفضه وجدانهم. فحين تُربّى الأذن على الجمال، ترفض القُبح، وحين تُغذّى الروح بالموسيقى، تأنف من الضجيج.

من الشَعر الشعبي إلى الموشحات، من الربابة إلى العود، ومن لهجات الجنوب إلى نبرات الشمال، تتوحد الأغنية اليمنية في رسالتها، وإن اختلفت مقاماتها. فيها نرى التنوع لا كتهديد، بل كثراء، ونسمع فيها الوحدة لا كخطاب رسمي، بل كصوت داخلي يعانق الروح.

إننا في أمسّ الحاجة لأن يكون صوت الأغنية اليمنية أعلى من صوت الحرب، وأبقى من هدير السلاح. لأن الفن ـ كما الحب ـ لا يعرف الكراهية، ولا يعترف بالحواجز، إنه يجبر ما كسرته الحرب.

فلنحمل أغنيتنا رسالة لا فقط إلى الداخل بل إلى العالم، تقول إن في اليمن، رغم الألم، شعبٌ يحب الحياة، ويغني لها، ولنصنع من تنوعنا لحنا للوحدة، ومن طيبتنا لحنًا للسلام، ومن أغنيتنا وعدًا بيمن جديد، يليق بهذا الجمال الممتد من بحر عدن حتى جبال رازح.. ودمتم سالمين.