تمرّ المحافظات الجنوبية في اليمن بمرحلة دقيقة ومعقدة، تتداخل فيها الأزمات المناخية مع التحديات الاجتماعية والانفلات الأمني والتوترات السياسية. هذا الوضع لم يأتِ فجأة، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من سوء الإدارة، وتهميش الوعي، وغياب النية الصادقة لدى كثير من الجهات الفاعلة.

أولى المؤشرات المقلقة كانت مناخية، حين شحت الأمطار عن مناطق جنوبية عُرفت تاريخيًا بخصبها في الصيف، لتتزامن هذه الظاهرة غير المعتادة مع موجة حر قاسية فاقمت من معاناة المواطنين في ظل انهيار خدمات الكهرباء والماء. لكن المقلق أكثر، أن هذا الجفاف الطبيعي يبدو وكأنه انعكاس لجفاف آخر: جفاف في الضمير، وجفاف في المسؤولية، وجفاف في الروح الجمعية.

إلى جانب ذلك، تشهد المحافظات الجنوبية تفشيًا غير مسبوق للمخدرات، سواء في أوساط الشباب أو حتى طلاب المدارس. لم يعد الأمر مجرّد حالات فردية، بل تحول إلى ظاهرة تهدد النسيج المجتمعي وتنسف كل ما تبقى من استقرار وأمن أخلاقي. هذا التسلل الممنهج لا يمكن فصله عن تواطؤ ضمني، أو في أحسن الأحوال، عن صمت مريب يعكس العجز أو التجاهل المتعمد.

أما على الصعيد السياسي، فالتباينات التي برزت مؤخرًا بين مراكز القرار، ليست سوى جزء من لعبة إعادة التدوير السياسي، التي تعيد إنتاج الأزمة لا حلّها. هذه الخلافات لا تشير إلى صراع مشاريع، بل إلى سباق نفوذ تحت مظلة حلول ترقيعية وواهية، تُدار من خارج حدود الجنوب، ويُروّج لها كمسكنات مؤقتة للألم الجنوبي المزمن.

وما هذه الأزمة المفتعلة إلا جزء من مؤامرة أوسع تُدار في كواليس السياسة الإقليمية، وعلى رأسها بعض الدوائر في المملكة العربية السعودية، التي تُدير المشهد كأنه رقعة شطرنج، تُحرّك فيها القطع دون اكتراث بإرادة الشعب الجنوبي وتضحياته المستمرة.

كل هذه المؤشرات المناخية، الاجتماعية، الأمنية والسياسية، تدفع بنا إلى إعادة النظر في سلوكنا كمجتمع، قبل أن نُحمّل المسؤولية للآخرين فقط. لقد آن الأوان لأن يصحو الجنوبي على حقيقة أن الإنقاذ يبدأ من الداخل، من الضمير، ومن صدق النية مع الله والوطن.

وعليه، فإن الرسالة التي أوجهها اليوم، وأبدأ بها من نفسي، هي أن نُخلِص النية، ونضع هدفنا في بناء مجتمع متماسك، لا يُخترق بالمخدرات ولا يُساق خلف صراعات زعامات جوفاء تنخر في ما تبقى من أمل. الجنوب اليوم بحاجة إلى مشروع إنقاذ مجتمعي، أخلاقي وثقافي، يوازي أي مشروع سياسي. وإلا فإننا نسير نحو المجهول بأعين مفتوحة.