> عدن «الأيام» محمد رائد محمد:

  • الجنوب عرفت أشكال التعاون الزراعي منذ القدم مثل: "الرفد" و"العوانة"
  • التعاونيات شهدت تدميرًا ممنهجًا بعد 1990 بهدف هدم مؤسسات الجنوب
> التقت صحيفة "الأيام" برئيس الاتحاد الزراعي الجنوبي م. صالح مساعد الأمير، للحديث عن استعداد التعاونيات في مختلف أنحاء العالم للاحتفاء بيومها العالمي الذي يصادف أول سبت من شهر يوليو من كل عام، والذي يوافق هذا العام السبت 5 يوليو 2025م، تحت شعار: "التعاونيات تبني مستقبلًا أفضل للجميع".

م. صالح الأمير
م. صالح الأمير
وأوضح الأمير أن شعار هذا العام يعبّر عن الدور العالمي المتزايد للتعاونيات، باعتبارها أدوات فاعلة في مواجهة التحديات التي يشهدها العالم اليوم، كما يُبرز مساهماتها الكبيرة في تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وأشار إلى أن التعاونيات تُعد من الركائز المهمة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بحلول عام 2030، لما لها من قدرة فريدة على تمكين المجتمعات، وتعزيز النمو العادل، وترسيخ مبادئ المسؤولية والتعاون والمشاركة.

وتحدث الأمير عن ثلاث محاور رئيسية في سياق هذه المناسبة: تجربة بلادنا في العمل التعاوني، ثم أهمية نشر الوعي بالتعاونيات الزراعية، وأخيرًا الدور المحوري الذي تلعبه التعاونيات في تحقيق التنمية المستدامة.

وأشار إلى أن اليمن عرفت أشكالًا متعددة من العمل التعاوني التقليدي منذ العصور القديمة، تجسدت في مفاهيم مثل "الرفد" و"العوانة" و"السقي"، وهي ممارسات مجتمعية كانت تنظمها العادات والتقاليد، وأسهمت بشكل كبير في إقامة المشاريع الزراعية الكبرى كالسدود والحواجز والمدرجات الزراعية. أما العمل التعاوني المؤسسي، فقد بدأ في منتصف القرن العشرين بإنشاء إدارة التعاون والتسويق في عدن عام 1956م من قبل سلطات الاحتلال البريطاني، ثم صدور قانون التعاون لمستعمرة عدن ومحمياتها عام 1957م، والذي على أساسه تأسست عدة تعاونيات. وازدهرت الحركة التعاونية الزراعية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وأصبحت تمثل رافدًا اقتصاديًا مهمًا للاقتصاد الوطني، لاسيما في ظل اعتماد أكثر من 75 % من السكان على الزراعة، ووجود ما يقارب 53 % من القوى العاملة ضمن هذا القطاع، الذي يشكّل مصدرًا أساسيًا للغذاء وللمواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات المحلية.


ولفت الأمير إلى أن القطاع التعاوني تعرض بعد عام 1990 لسلسلة من التدمير الممنهج نتيجة الحروب والصراعات، حيث تم نهب ممتلكاته وإقصاء كوادره، واستمر هذا التدهور حتى وصول جماعة الحوثي إلى صنعاء وسيطرتها على معظم المحافظات، ما أدى إلى تصفية ما تبقى من بنية العمل التعاوني في البلاد.

وأكد أن منذ العام 2022م، وبجهود مشتركة وتحت رعاية وزير الزراعة والري والثروة السمكية اللواء سالم عبدالله السقطري، تم إشهار اتحاد التعاونيات الزراعية الجنوبي، الذي اتخذ من عدن مقرًا له، واستكمل هيكله التنظيمي بتأسيس تسعة فروع في عموم المحافظات الجنوبية. ويعمل الاتحاد بالتنسيق مع الوزارة على تمكين دور التعاونيات وتعزيز مشاركتها في تحقيق التنمية من خلال تنفيذ برامج وسياسات القطاع الزراعي بكفاءة، وتوظيف الموارد بشكل رشيد يساهم في تنفيذ مشاريع اقتصادية منتجة ومستدامة.


وأضاف رئيس الاتحاد أن نشر الوعي التعاوني أصبح ضرورة، لما له من دور في بناء عالم أكثر توازنًا وعدلًا. فالتعاونيات ليست فقط وسيلة إنتاجية، بل هي حركة اجتماعية واقتصادية قائمة على قيم الديمقراطية، والعون الذاتي، والمسؤولية الجماعية. كما أن دورها يتعاظم في ظل ما توفره من بيئة حاضنة لريادة الأعمال، وتشجيع الشباب على المشاركة في العمل التعاوني، وتعزيز أطر قانونية وتنظيمية تسمح بازدهار هذه الكيانات. فالتعاونيات تُعد مؤسسات يستطيع المواطن من خلالها تحسين معيشته والمساهمة في تنمية مجتمعه على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

وبيّن الأمير أن التعاونيات تتمتع بعضوية مفتوحة، ما يتيح تكافؤ الفرص في تكوين الثروة وتقليص الفقر، بفضل مبدأ المشاركة الاقتصادية للأعضاء الذين يساهمون على قدم المساواة في رأس المال ويتحكمون فيه بشكل ديمقراطي. وأكد أن التعاونيات تُبنى على البعد الإنساني وليس على الربحية فقط، ولذلك فإنها تسعى لتوزيع الثروة بشكل أكثر عدالة، وتساهم في تحقيق التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعاتها، وتدعم الأنشطة المجتمعية المحلية وتوفير الإمدادات من المصادر المحلية، ما يعود بالنفع المباشر على الاقتصاد المحلي.


ورغم تركيز التعاونيات على المجتمع المحلي، إلا أنها تحمل طموحًا عالميًا لتعميم فوائد نموذجها الاقتصادي والاجتماعي على مختلف الشعوب، لما تحمله من مبادئ شاملة.

وفي سياق الحديث عن التنمية المستدامة، أوضح الأمير أن التعاونيات تسهم بشكل كبير في دعم المجتمعات المحلية، وتحفيز الاقتصاد الدائري، والمساهمة في حماية البيئة. كما تعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية، من خلال إتاحة فرص متساوية للأعضاء، ومكافحة الفقر، وتحقيق التضامن المجتمعي، وبناء شبكات تعاون فعالة، مما يؤدي إلى مجتمعات أكثر تماسكًا وشمولًا.

وضرب مثالًا بدور التعاونيات الزراعية التي تقدم خدمات حيوية للمزارعين، وتساعدهم على رفع مستوى إنتاجهم، وتسهيل تسويق منتجاتهم، مما يرفع من دخولهم ويعزز الأمن الغذائي. كما توفر هذه التعاونيات مدخلات الإنتاج وخدمات أخرى بجودة عالية وأسعار مناسبة، وتفتح فرص عمل كريمة، وتحمي حقوق العاملين.


وفيما يتعلق بالتعاونيات السكنية، أشار إلى أنها تقدم حلولًا سكنية بأسعار ميسورة، وتسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي. وأكد في ختام حديثه أن التعاونيات ليست مجرد أدوات اقتصادية، بل هي رؤية اجتماعية لبناء مجتمعات أكثر عدالة واستدامة، وهي بذلك تمثل جزءًا أساسيًا من مستقبل أفضل للجميع.