> إصلاح صالح:
يكشف التحقيق عبر تحليل مخبري، عن انتشار تلوث التربة اليمنية بالمعادن الثقيلة شديدة الخطورة كالرصاص والزرنيخ وغيرها من العناصر السامة، التي تجد طريقها إلى السلسلة الغذائية للإنسان وما يستهلكه من كائنات.

ما ذهب إليه الحسام، جاء مطابقا للأدلة التي توصل إليها التحقيق، إذ كشفت نتائج تحليل مخبري أجري في الرابع من ديسمبر 2024، على عينة من تربة إحدى مزارع منطقة حجر، وجود تراكيز عالية من عنصر الرصاص بنسبة 9.9 مليجرام في الكيلوجرام الواحد، وهو ما يفوق الحدود المسموح بها بتسعة أضعاف، كما يوضح أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك في كلية علوم البحار والبيئة بجامعة الحديدة، الدكتور عبد القادر الخراز، لـ"العربي الجديد"، قائلًا: "التركيز المسموح به لعنصر الرصاص في التربة واحد مليجرام في الكيلوجرام الواحد".

"بهذا تعتبر التربة ملوثة بتلك المعادن الخطيرة والسامة"، بحسب ما جاء في دراسة "تأثير تلوث صناعة النفط على الصحة وسبل العيش: حالة حريب، محافظة مأرب، اليمن"، المنشورة في 31 أكتوبر 2021. وما يزيد من خطورة التلوث كون مأرب تحتل المرتبة الثالثة بين محافظات البلاد البالغ عددها 22 محافظة في إنتاج المحاصيل الزراعية بنسبة 7.6 % من إجمالي الإنتاج بعد محافظتي الحديدة وصنعاء، ومن أهم محاصيلها الفواكه والحبوب والخضروات ما يعني انتقال تلك العناصر السامة إلى أمعاء المستهلكين، خاصة أن متوسط الأراضي الزراعية المتأثرة بالتلوث بلغ 70 % من إجمالي المساحة المزروعة في ثلاثة مواقع بوادي حريب، هي منطقتا أبو تهيف والعقيل، وقرى العويدان والأشراف والعين، وفق ما توثقه الدراسة التي أجراها الخراز بمعية الدكتور فهد الدهيلي من قسم الجغرافيا بجامعة ذمار، والباحث الزراعي أحمد يحيى صالح.
ودفنت مبيدات في حقل بمزرعة سردود الإنتاجية في محافظة الحديدة غربي البلاد، يحمل الرقم 72، كما يوثق تقرير "تقييم السياسات والقوانين البيئية الراهنة في اليمن"، الذي أعده الدكتور هشام محمد ناجي، رئيس قسم العلوم البيئية بكلية البترول والموارد الطبيعية في جامعة صنعاء الحكومية في أبريل 2023. وليس هذا فحسب بل إن 462 طنًا من المبيدات القديمة والمهجورة والمواد الملوثة تراكمت منذ أربعينيات القرن الماضي في أكثر من 40 موقعًا في مختلف مناطق اليمن، كما يقول التقرير.

وتتحلل المبيدات الممنوع تداولها في الأسواق والمقيدة (مبيدات يُسمح باستخدامها تحت إشراف متخصصين مدربين)، ببطء شديد في التربة، أي أنها تبقى في البيئة لفترة زمنية كبيرة، ما يزيد من خطر تعرض الكائنات الحية لها وتراكمها في السلسلة الغذائية، بحسب ما قاله أستاذ أمراض النبات في قسم وقاية النبات بكلية ناصر للعلوم الزراعية بمحافظة لحج، الدكتور صالح عثمان محمد.
لكن كيف يحدث كل ذلك؟ تفسر أستاذة علوم البيئة في قسم التربة والهندسة الزراعية بكلية ناصر للعلوم الزراعية في لحج، الدكتورة لنا سعيد ما يجري بأن "النبات يمتص المواد الكيميائية من التربة الملوثة فتنتقل العناصر الثقيلة إلى المحاصيل والثمار، ومن ثم إلى الحيوانات الداجنة والحليب لتستقر في نهاية المطاف داخل جسم الإنسان".
ويؤدي ذلك إلى التسمم المزمن نتيجة التعرض المتكرر والمتواصل لمادة خطيرة بجرعات صغيرة على مدى فترة طويلة، تقول الدكتورة سعيد، موضحة أن المعادن الثقيلة أحد مسببات الإصابة بالسرطان، ما يفسر تزايد عدد المصابين بالمرض سنويا في البلاد، إذ ارتفع "من 4,207 حالة مسجلة في المركز الوطني لعلاج الأورام (حكومي) عام 2015، وبلغ 6,789 حالة في عام 2022"، وفق بيانات المركز الموجود في العاصمة، والتي أكدت وجود زيادة مطردة في أعداد الإصابات بالمرض كل عام، ليصل إجمالي من تلقوا العلاج منذ بدء افتتاحه في سبتمبر 2003 وحتى منتصف العام الماضي إلى 90 ألف حالة، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الصحة والبيئة التابعة لحكومة صنعاء.

"ولا يقف الخطر عند هذا الحد"، والقول لنائب مدير مكتب الزراعة والري بمحافظة أبين، صالح مكيش مصعبين، إذ جرى ضبط مبيدات محظور استعمالها مثل "ميثوميل، دايمثويت، بيريميفوس-مثيل، تراكلورفون، ومونوكروتوفوس"، خلال حملة تفتيش على محال بيع المبيدات في مديريتي زنجبار وخنفر بالمحافظة الواقعة جنوبي البلاد في منتصف العام 2023.
أثناء تلك الحملة ظهر وجود عاملين غير متخصصين في أماكن بيع المبيدات بعضهم من خريجي كليات الهندسة أو التربية والشريعة والقانون، أو حتى ليس لديهم سوى شهادة الثانوية العامة، وهو ما يخالف الفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة من القرار الوزاري رقم 10 لسنة 2002 بشأن اللائحة التنفيذية للقانون رقم 25 لسنة 1999، لتنظيم تداول مبيدات الآفات النباتية، والذي "يشترط في الشخص للحصول على ترخيص مزاولة أي مهنة من مهن تداول مبيدات الآفات، أن يكون لديه شهادة جامعية وقاية نبات أو متعاقدًا مع مشرف فني"، كما يقول مصعبين.
تثير هذه الفوضى المستشرية في القطاع الزراعي، خوف الأربعينية إيناس الحمادي وجاراتها وتدفعهن إلى غسيل الخضر والفواكه مرات عديدة، كما تقول:" لا أدري هل تتخلص بذلك من المبيدات الحشرية أم تظل داخل نسيجها وتنتقل إلى أجسادنا". "العربي الجديد".
- وقف مدير إدارة وقاية النباتات في مكتب الزراعة بمحافظة الضالع، المهندس عبد الرحيم الحسام، مذهولًا أمام مشهد إحدى مزارع منطقة حجر بالمحافظة الواقعة جنوبي اليمن، إذ ظهرت محاصيل الحبوب الرفيعة البيضاء (الذرة) متقزمة ومصفرة تكاد أن تكون ميتة، كما أن تربتها صارت ملحية غير متماسكة، في مشهد مقلق تكرر أمام ناظريه خلال جولة بمنطقة مريس في المحافظة ذاتها. فما السبب؟ بحكم خبرته، توقع أن ما يجري له علاقة باستعمال طويل الأمد لمبيدات خطرة، كما يقول.

ما ذهب إليه الحسام، جاء مطابقا للأدلة التي توصل إليها التحقيق، إذ كشفت نتائج تحليل مخبري أجري في الرابع من ديسمبر 2024، على عينة من تربة إحدى مزارع منطقة حجر، وجود تراكيز عالية من عنصر الرصاص بنسبة 9.9 مليجرام في الكيلوجرام الواحد، وهو ما يفوق الحدود المسموح بها بتسعة أضعاف، كما يوضح أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك في كلية علوم البحار والبيئة بجامعة الحديدة، الدكتور عبد القادر الخراز، لـ"العربي الجديد"، قائلًا: "التركيز المسموح به لعنصر الرصاص في التربة واحد مليجرام في الكيلوجرام الواحد".
- تربة مسمومة بالمعادن الثقيلة
إضافة إلى ما سبق، تكشف نتائج تحليل أجراه الأكاديمي الخراز في مختبر ALS بماليزيا، بعد جمع ثلاث عينات من تربة وادي حريب، أن نسبة التلوث بالرصاص، بلغت 120 مليجراما في الكيلوجرام، في حين يبلغ الحد المسموح به من العنصر وغيره من المعادن الثقيلة السامة والخطيرة على صحة الإنسان والمهددة بتدمير التربة، واحد مليجرام فقط للكيلوجرام "وأي زيادة عن ذلك تعتبر تلوثًا خطيرًا"، وجاء الزنك في المرتبة الثانية بنسبة 22 مليجراما للكيلوجرام، يليه النيكل بـ13 مليجراما للكيلوجرام، ثم الكروم والنحاس بـ9 و6 مليجرامات على التوالي، وتساوت عناصر الزرنيخ والكاديوم والبريليوم، بأكثر من واحد مليجرام للكيلوجرام.

"بهذا تعتبر التربة ملوثة بتلك المعادن الخطيرة والسامة"، بحسب ما جاء في دراسة "تأثير تلوث صناعة النفط على الصحة وسبل العيش: حالة حريب، محافظة مأرب، اليمن"، المنشورة في 31 أكتوبر 2021. وما يزيد من خطورة التلوث كون مأرب تحتل المرتبة الثالثة بين محافظات البلاد البالغ عددها 22 محافظة في إنتاج المحاصيل الزراعية بنسبة 7.6 % من إجمالي الإنتاج بعد محافظتي الحديدة وصنعاء، ومن أهم محاصيلها الفواكه والحبوب والخضروات ما يعني انتقال تلك العناصر السامة إلى أمعاء المستهلكين، خاصة أن متوسط الأراضي الزراعية المتأثرة بالتلوث بلغ 70 % من إجمالي المساحة المزروعة في ثلاثة مواقع بوادي حريب، هي منطقتا أبو تهيف والعقيل، وقرى العويدان والأشراف والعين، وفق ما توثقه الدراسة التي أجراها الخراز بمعية الدكتور فهد الدهيلي من قسم الجغرافيا بجامعة ذمار، والباحث الزراعي أحمد يحيى صالح.
- انتقال المعادن الثقيلة إلى السلسلة الغذائية
ودفنت مبيدات في حقل بمزرعة سردود الإنتاجية في محافظة الحديدة غربي البلاد، يحمل الرقم 72، كما يوثق تقرير "تقييم السياسات والقوانين البيئية الراهنة في اليمن"، الذي أعده الدكتور هشام محمد ناجي، رئيس قسم العلوم البيئية بكلية البترول والموارد الطبيعية في جامعة صنعاء الحكومية في أبريل 2023. وليس هذا فحسب بل إن 462 طنًا من المبيدات القديمة والمهجورة والمواد الملوثة تراكمت منذ أربعينيات القرن الماضي في أكثر من 40 موقعًا في مختلف مناطق اليمن، كما يقول التقرير.
ورغم إشارة التقرير إلى قيام وزارة الزراعة بحصر وتصنيف وإعادة تعبئة تلك المبيدات بين عامي 2000 و2001، أوضح الدكتور ناجي لـ"العربي الجديد"، أن هذه المبيدات التي ظلت لعقود في التربة، يستمر تأثيرها لعشرات السنين، وتنتقل إلى الإنسان عبر جذور النباتات التي تمتص المبيدات مع المياه ومنها تنتقل إلى الكائنات الحية.

وتتحلل المبيدات الممنوع تداولها في الأسواق والمقيدة (مبيدات يُسمح باستخدامها تحت إشراف متخصصين مدربين)، ببطء شديد في التربة، أي أنها تبقى في البيئة لفترة زمنية كبيرة، ما يزيد من خطر تعرض الكائنات الحية لها وتراكمها في السلسلة الغذائية، بحسب ما قاله أستاذ أمراض النبات في قسم وقاية النبات بكلية ناصر للعلوم الزراعية بمحافظة لحج، الدكتور صالح عثمان محمد.
لكن كيف يحدث كل ذلك؟ تفسر أستاذة علوم البيئة في قسم التربة والهندسة الزراعية بكلية ناصر للعلوم الزراعية في لحج، الدكتورة لنا سعيد ما يجري بأن "النبات يمتص المواد الكيميائية من التربة الملوثة فتنتقل العناصر الثقيلة إلى المحاصيل والثمار، ومن ثم إلى الحيوانات الداجنة والحليب لتستقر في نهاية المطاف داخل جسم الإنسان".
ويؤدي ذلك إلى التسمم المزمن نتيجة التعرض المتكرر والمتواصل لمادة خطيرة بجرعات صغيرة على مدى فترة طويلة، تقول الدكتورة سعيد، موضحة أن المعادن الثقيلة أحد مسببات الإصابة بالسرطان، ما يفسر تزايد عدد المصابين بالمرض سنويا في البلاد، إذ ارتفع "من 4,207 حالة مسجلة في المركز الوطني لعلاج الأورام (حكومي) عام 2015، وبلغ 6,789 حالة في عام 2022"، وفق بيانات المركز الموجود في العاصمة، والتي أكدت وجود زيادة مطردة في أعداد الإصابات بالمرض كل عام، ليصل إجمالي من تلقوا العلاج منذ بدء افتتاحه في سبتمبر 2003 وحتى منتصف العام الماضي إلى 90 ألف حالة، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الصحة والبيئة التابعة لحكومة صنعاء.
- فوضى القطاع الزراعي
عرضت معدة التحقيق أسماء تلك المبيدات على المهندس الزراعي عبد القادر السميطي، الذي يقود مبادرة حول تجارب الزراعة دون أسمدة كيميائية في محاولة لتعميمها على المزارعين، فأكد لـ"العربي الجديد" أن المادة الفعالة في المبيدات التي تضمنت أسماءها عروض الأسعار تدخل ضمن المواد الممنوع تداولها، وتحمل مخاطر بيئية تشمل تلوث التربة والتأثير على الكائنات الحية الدقيقة فيها، واحتمالية تلوث المياه، مشيرا إلى أن المادة الفعالة لـ"دروسبان" المبيد الحشري العضوي الفوسفوري تسمى كلوربيريفوس ولها مخاطر صحية، منها مشاكل الجهاز التنفسي، واضطرابات في الجهاز الهضمي، وتأثيرات على الجهاز العصبي.

"ولا يقف الخطر عند هذا الحد"، والقول لنائب مدير مكتب الزراعة والري بمحافظة أبين، صالح مكيش مصعبين، إذ جرى ضبط مبيدات محظور استعمالها مثل "ميثوميل، دايمثويت، بيريميفوس-مثيل، تراكلورفون، ومونوكروتوفوس"، خلال حملة تفتيش على محال بيع المبيدات في مديريتي زنجبار وخنفر بالمحافظة الواقعة جنوبي البلاد في منتصف العام 2023.
أثناء تلك الحملة ظهر وجود عاملين غير متخصصين في أماكن بيع المبيدات بعضهم من خريجي كليات الهندسة أو التربية والشريعة والقانون، أو حتى ليس لديهم سوى شهادة الثانوية العامة، وهو ما يخالف الفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة من القرار الوزاري رقم 10 لسنة 2002 بشأن اللائحة التنفيذية للقانون رقم 25 لسنة 1999، لتنظيم تداول مبيدات الآفات النباتية، والذي "يشترط في الشخص للحصول على ترخيص مزاولة أي مهنة من مهن تداول مبيدات الآفات، أن يكون لديه شهادة جامعية وقاية نبات أو متعاقدًا مع مشرف فني"، كما يقول مصعبين.
تثير هذه الفوضى المستشرية في القطاع الزراعي، خوف الأربعينية إيناس الحمادي وجاراتها وتدفعهن إلى غسيل الخضر والفواكه مرات عديدة، كما تقول:" لا أدري هل تتخلص بذلك من المبيدات الحشرية أم تظل داخل نسيجها وتنتقل إلى أجسادنا". "العربي الجديد".