> كتب: المراقب السياسي
حالة الرفض الشعبي العارم اليوم في الجنوب لاستمرار الوحدة، تواجه بمحاولات مستميتة لفرضها بالقوة الناعمة على الجنوبيين اليوم، فمن عناصر جنوبية إلى المجتمع الدولي هناك مخاوف من كيان جنوبي جديد يتشكل على الواقع.. لكن انقسام الدولة اليمنية (الموحدة) لن يأتي من الجنوبيين، بل إن الشمال اليوم أصبح أكثر تفككا من الجنوب.
وبالعودة إلى حالة الرفض الشعبي للوحدة، فإن الأمر ليس مقتصرا على الجنوبيين فقط.
وهناك دولة اسمها مأرب لن يقبل أبناؤها اليوم بالعودة إلى الحكم من صنعاء مهما كان، ففي مأرب كان الإهمال والتهميش نصيبهم طوال الخمسين سنة الماضية، وتم نهب ثرواتهم النفطية باسم الدولة أيضاً.
وفي تعز دمر الحوثيون المدينة إن لم يكن المحافظة طوال السنوات الثلاث الماضية وهي المحافظة الأكبر تعداداً بالسكان على الرغم من محاولات نظام صنعاء المستميتة لتزوير التعداد السكاني لتعز (مثلما فعل في عدن) لتكون أكثر مواءمة لبقية المحافظات واقل تعداداً من صنعاء.. تعز تسعى نحو اقليم الجند ليس رغبة في النظام الاتحادي بل كمقدمة للانفصال في دولة مستقلة، بحسب المثقفين من أبنائها.. فحكام اليمن الشمالي قبل الوحدة مارسوا صنوف العنصرية ضد أبناء تعز وهي التي قامت منها ثورات اليمن الشمالي.
أما تهامة، وفيها الحديدة، فقد وصلت في اوج سلطة نظام علي عبدالله صالح البائد الى حالة من الفقر كان الناس يقتاتون فيها من أوراق الأشجار، بينما تم تقاسم أراضيهم ومزارعهم بين الحكام الآتين من الجبال الشاهقة، وهم ايضاً لن يقبلوا بحكم صنعاء لهم بعد اليوم.
أما البيضاء، فتلك المحافظة المنكوبة بالإهمال طول ستين عاماً وبالقاعدة في الخمسة عشر عاماً الأخيرة، يعامل أبناؤها كشماليين في الجنوب وكجنوبيين في الشمال حتى كرهوا الدولة وتمنوا لو أنهم دولة بأنفسهم.. برغم ارتباط البيضاء تاريخياً بالجنوب حتى ايام الوجود البريطاني، وما فصلها عن الجنوب إلا غزو الإمام.
وسط هذا الخليط من المشاكل والقوميات المختلفة هناك موضوع القبيلة والمدنية، ففي الجنوب يغلب طابع المدنية والاحتكام إلى القضاء بينما يسود قانون القبيلة في الشمال ويعتبر أقوى من الدستور.. ولقول ابن شيخ مشائخ اليمن الشيخ حميد الأحمر بأن "من لم ينتمِ إلى قبيلة فهو ليس يمنيا"، وقع خاص على الجنوبيين الذين عملوا لقرنين على إخراج الجنوب من النظام القبلي وأسسوا نظاما مدنيا.
إن المدنية تعيش على النظام والقانون والقضاء، بينما تعيش القبلية على الفوضى، وما سعي علي عبدالله صالح إلى نشر الفوضى في الجنوب طوال 27 عاماً إلا لنشر النظام القبلي وترسيخ مصلحة شؤون القبائل وتوزيع الاعتراف بهذا وذاك كشيخ قبيلة في الجنوب، وهو أمر لم يستسغه الجنوبيون ولم يعترفوا به.
لكن في الشمال هناك 92.4% سنة شوافع و4.6% شيعة (حوثيين) وأقل من 3% زيود ومذاهب أخرى وحتى 2009 لم يحدث أن قام أي مذهب بفرض نفسه عنوة على الاخرين حتى الزيدية لم تحاول طوال عقود فرض المذهب الزيدي بل على العكس فرضت التعايش السلمي بين المذاهب، حتى أن المسلمين من جميع المذاهب كانوا يصلون في جميع المساجد بدون فصل بين المذاهب وهي سمة فارقة بين المذهب الزيدي والشيعة... ثم جاء الحوثيون الذين حاولوا تشييع البقية وحصر الحكم والمناصب الحساسة في الشيعة وفرض المذهب الشيعي في المناهج التعليمية والمساجد والأذان وحرمان المناطق التي تحت سيطرتهم من صلاة التراويح وكل ماله علاقة بالسنة. ولعل التقسيم المذهبي لنظام الأقاليم أخذ بالحسبان هذا الأمر، فالشيعة موجودون فقط في إقليم آزال ومحاطون بطوفان من الشوافع من كل اتجاه.
* بابور= سيارة باللهجة العامية في عدن.