> كتب/ مختار مقطري
فاجأني قرار الأخ مروان دماج، وزير الثقافة، بتعيين الفنان القدير وعازف القانون الشهير وواحد من أمهر عازفي القانون في اليمن والعالم العربي، قائدا للفرقة الموسيقية التابعة لمكتب الثقافة بعدن، لأن أنور مصلح قاد هذه الفرقة مرات كثيرة في مناسبات عديدة، بعازفيها وليس بتسميتها، وفي أحيان كثيرة بتسميتها، وقاد فرقا موسيقية أخرى، منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي.
وبذلك يكون القرار قد تأخر كثيرا، فالفنان أنور مصلح تاريخ فني طويل، قائدا وعازفا وملحنا، وكثيرا ما تأملت كفيه، فخيل لي أن الموسيقى تقطر من بين أنامله، وأصغيت لصوته، فإذا بين كلماته تتدفق موسيقى، وحين يقرأ غيبا للعازفين النغمات الموسيقية المكونة للجملة النوسيقية، لا يخطئ بنغمة لا شاردة ولا واردة.
ولذلك فإن قرار وزير الثقافة قد تأخر، ولكنه صدر، وهذا المهم، فأعاد بعض الأمور لنصابها، وأسعد معظم الموسيقيين الذين اشتغلوا من قبل تحت قيادة أنور مصلح، وعرفوا منه أهمية الحزم في تنظيم وإدارة البروفات، واختيار العازفين لكل عمل فني، بما يخدم العمل الفني نفسه، والأهم من هذا كله، العلاقة الإنسانية التي تربطهم بقائدهم، من احترام وتقدير.
ولا خلاف حول التمكن الكبير للفنان القدير أنور مصلح، ملك القانون في اليمن، في عزفه على آلة القانون، علما أن كشتبان عازف القانون في بعض دول الخليج مصنوع من الذهب، وكشتبان أنور مصلح مصنوع من معدن رخيص، ولكنه يحقق الإبداع كله المنصوص والمتدفق من موهبة أنور الكبيرة وتجربته الطويلة في العزف المتدفق إحساسا وإبداعا ناتجين من روحه وعشقه للموسيقى دون تكلف، لكن أنور لم يجد الاهتمام الإعلامي، ولا الترويج الفني، ولم تسنح له الفرص لتسجيل مؤلفاته الموسيقية، وعزفه المنفرد، ولم يشترك مع كبريات الفرق الموسيقية العربية في دار الأوبرا، أنور مصلح له كفاءة لا تقل عن كفاءة كبار عازفي القانون في الوطن العربي، ففي حفل أقيم، قبل عدة سنوات، أيام ما كان الفنان رامي نبيه، مديرا عاما لمكتب الثقافة بعدن، بأحد فنادق عدن، نظمه مكتب الثقافة بعدن بالتنسيق مع القنصلية المصرية، عن الموسيقار المصري الراحل سيد مكاوي، وكنت مشاركا بمداخلة، وشاءت الصدفة أن أجلس بجوار القنصل المصري، وكان أنور مصلح قائدا للفرقة الموسيقية التي عزفت لأمل كعدل أغنية (يا مسهرني) ولهدى شاهر أغنية (أوقاتي بتحلو) وللمطرب المبدع الغائب عن الأنظار وعن الحفلات، وليس بغائب عن القلوب، إيهاب خليل أغنية (ليلة امبارح).. وكلها لسيد مكاوي. ووسط نفحات الطرب الأصيل، سألني القنصل المصري عن أنور مصلح، وأثنى على عزفه واصفا عزفه بالمتقن والحساس، ولم يكتفِ بالسؤال، بل صعد إلى خشبة المسرح ليسلم بيده على قائد الفرقة وبقية أعضائها.
قرار وزير الثقافة بتعيين الفنان القدير أنور مصلح قائدا للفرقة الموسيقية التابعة لمكتب الثقافة بعدن، سيضع حدا لكثير من المشاكل، خصوصا أن أنور مصلح لا يختلف عليه اثنان، كما سيفتح مجالا أوسع لتنظيم فعاليات وإقامة حفلات، لأن أنور مصلح فنان موهوب وقائد نشيط، وهو يسعى بدأب لاكتشاف الأصوات الموهوبة الجديدة، وسوف أسعى بدوري لتوثيق أعماله الفنية الخاصة، من أغنية وأوبريت وقطعة موسيقية.
إنه قرار فني أكثر من كونه قرارا إداريا.
لقد أثبت قادة الفرق الموسيقية في عدن، أن ليس كل القيادات فاشلة وغير حازمة، وغير معطاءة ومخلصة، ولعلي في هذا السياق، أذكر الأستاذ الفنان عبده نعمان، وكان أستاذا لمادة الرياضيات في مدارس الشيخ عثمان، وكنت واحدا من تلاميذه، وكان إلى جانب ذلك قائدا لفرقة الأنوار الشهيرة التي كانت تتبع مدرسة (الجمهورية) بالشيخ عثمان، وكانت الفرقة تضم مجموعة من الشبان الصغار، يعزف معظمهم بآلة الاوركاديون، لكن الأستاذ نجح في تطوير مهاراتهم ومعارفهم الموسيقية، بما كان يتمتع به، وياللعجب، من حزم ومرونة، كما جمع بين الرياضيات والموسيقى، فصار منهم اليوم أسماء فنية كبيرة لعازفين كبار في فرق موسيقية داخل اليمن والوطن العربي كله، وقد آن أوان تكريم الأستاذ الفنان عبده نعمان من قبل تلاميذه على الأقل.
وأحمد تكرير وشكيب جمن وسعيد فندا وغيرهم، ثم الفنان محمد خليل الذي أحيا فرقة الشرق للموسيقى من بعد موتها، وهي واحدة من أكبر وأشهر الفرق الموسيقية في عدن، تأسست في سبعينيات القرن الماضي، وحققت شهرة واسعة، ثم
شتتها قانون التأميم الفني، حتى أعاد الفنان
محمد خليل أشهارها عام 2000، وصار رئيسا لها، ثم توقف نشاطها بسبب غياب الدعم والحفلات، ولأن رئيسها المحنك أكل جسده السكر وأصابه بالشلل، ولا تكريم ولا رعاية ولا حتى كلمة شكر وتقدير.ألف مبروك لفنانا الجميل أنور مصلح، وبانتظار منه التميز الذي عودنا عليه، أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية، وجعل تكريمه قبل موته..!!