> محمد العولقي
* لا أملك من حطام هذه الدنيا الفانية سوى التعاطف مع الأستاذ (هاشم عبد الرزاق الوحصي) ذاكرة الرياضة الجنوبية واليمنية ، وهو يقدم في حالة يأس ، على إعدام تاريخ رياضي ، كتبه وأرشفه بدموع الليالي الحالكات.
* تمتلك البلد التي ابتلاها الله بقيادات رياضية (جاهلة) ووجاهات سياسية (متخلفة) ذاكرة تاريخية ، تحتفظ بكل تجليات الرياضة اليمنية ، قديمها وحديثها ، لكن هذه الذاكرة الأرشيفية محنطة في العزلة ، وبعيدة تماماً عن عين وقلب كل قيادي (أونطة) قادته السياسة للعب في ملعب ليس ملعبه.
* تفخر الأمم بأعلامها ورموزها ، وتولي مسألة (التوثيق) الرياضي إهتماماً كبيراً ، إلا في هذا البلد المنكوب ، الذي يركل فيه بلهاء السياسة كرة النار إلى ملعب الرياضة.
* ربما كان المؤرخ الرياضي (هاشم الوحصي) هو اليمني الوحيد الذي عايش وعاشر وعاصر الرياضة الجنوبية بعد الاستقلال ، وهو الوحيد الذي أمسك ببدايات الرياضة في الشمال ، وهذا التراث المعرفي يفرضه قيمة تاريخية لا تقدر بثمن.
* إذا بحثنا عن أصل وفصل رياضتنا بعد الثورتين ، فلن نجد لها أرشيفاً كاملاً موثقاً بالصور والكلمات ، سوى عند هذا المؤرخ الرياضي الجنوبي ، الذي أفنى حياته المهنية ، في تتبع أثر ومسير الرياضة في الشطرين سابقاً ، وفي اليمن لاحقاً.
* حسبي أنني أجزم أن لا قيادي رياضي ولا خراط سياسي يعلم أن (هاشم الوحصي) إنتهى من تأليف الكثير من الكتب الرياضية ، التي تحكي تاريخنا الرياضي بلسان الواقع ، لا أحد من هؤلاء المتطفلين يدري أن (الوحصي) إنكب على أرشفة تاريخ الرياضة اليمنية لأكثر من خمسين عاماً.
* كتب (الوحصي) تاريخنا الرياضي بحلوه ومره بدموعه وأنفاسه اللاهثة وأعصابه وتجليات عزلة طويلة ، أنسته حتى بيته وحياته الخاصة ، ليقدم لوطنه عملاً إعلامياً دقيقاً يحكي للأجيال القادمة تراثنا الرياضي المتنوع.
* كم ضاجع (الوحصي) أنينه الخافت وهو يمني نفسه بلفتة كريمة تتبنى كتبه التاريخية (السمينة) ، وكم شكا لليل ظلم ذوي القربى وهو يختزل من حياته سنوات طويلة من الجد والاجتهاد ، ثم يجد عمله أسيراً لدرج مكتبه ، قابعاً في الظل ، في حين تصرف الدولة على مهجنين ، يسبحون بحمد من سرقوا اللقمة من أفواهنا.
* إعتكف (الوحصي) في محرابه يرتب ويوثق تاريخ بلد وتراث أمة ، صادر نبضه وتحمل ضغطه ، ولم يوقفه (السكر) عن معركته مع الأرشفة ، إنحنى ظهره وتحدب جسده وشاب رأسه وعاده شباب ، بحث ونقب ودقق ومحص وحيداً ، دون تشجيع أو تقدير لما يعمل ، أهدى وطنه تاريخاً باذخاً بالمشاهد الدراماتيكية ، في حين أهدانا السياسيون الصواريخ والعبوات الناسفة والضحك على ذقون كل الرياضيين.
* يقيني أن (هاشم عبد الرزاق الوحصي) أشرف وأنبل من هذه القيادات الرياضية المهجنة ، التي تبول وتتغوط على رياضتنا ، شوفوا الفرق : هاشم يبني وطناً للتاريخ ، والدخلاء يهدمون بيوت العز والشرف.
* أرسل لي المؤرخ الجنوبي (هاشم الوحصي) رسالة تقطر ألماً وتنزف دماً ، قرأت في رسالته القصيرة عذابه الخالد ، مع محيط لا يقدر عمله ولا يستوعبه ، وبكيت معه بحرقة لأنه لامس وتراً في قلبي يعزف مقطوعة النحيب على اللبن الرياضي المسكوب.
* يقول (الوحصي) : "عزيزي محمد العولقي .. أُعلن أنا (هاشم عبد الرزاق الوحصي) عزمي على إيقاف نشاطي الإعلامي في كتابة تاريخ كرة القدم اليمنية، إعتباراً من يوليو القادم ، حتى لا أكون أكثر حرصاً على تاريخنا الرياضي من قيادات الدولة ، كما أعلن أنني سأتلف كل ما تم تجهيزه من كتب تاريخية في يوم ميلادي في يوليو القادم .. والدعوة عامة للجميع.
* (هاشم الوحصي) مثله مثل (أبي حيان التوحيدي) الذي أحرق كتبه ، بعد أن استبد به اليأس ، ولم يجد من تشغله كتب الامتاع والمؤانسة ، فيوليها اهتمامه ، لهذا أحرق كل كتبه ، في سوق الوراقين وأمام أعين السلطة والعسس.