أخر تحديث للموقع
الجمعة, 09 مايو 2025 - 12:15 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • عامان على اللقاء التشاوري للحوار الوطني الجنوبي: من لحظة الإجماع إلى ضرورة التأسيس المستدام

    جسار مكاوي




    ​يصادف اليوم، الثامن من مايو 2025، مرور عامٍين  كاملين على انعقاد اللقاء التشاوري للحوار الوطني الجنوبي، الحدث الذي مثّل في حينه نقلة نوعية في مسار العمل السياسي الجنوبي، إذ جمع تحت سقف واحد أطيافًا متعددة من المكونات الجنوبية، رسمت معًا ملامح أولية لرؤية سياسية جامعة تنبذ الإقصاء، وتؤسس لنهج الحوار كخيار استراتيجي لا غنى عنه في سبيل استعادة الدولة الجنوبية وبنائها على أسس حديثة وعادلة.

    لقد جاء اللقاء كمحصّلة لتراكمات سياسية وشعبية ضاغطة، فرضت على الجميع واجب التلاقي والاعتراف المتبادل، والابتعاد عن منطق التفرد والتخوين. كما مثّل انعقاده تحت رعاية المجلس الانتقالي الجنوبي تعبيرًا عن إدراك متزايد بأهمية خلق بيئة تفاهمية داخلية قبل الانفتاح على العالم الخارجي بمشروع وطني واضح ومتماسك.
    • مكاسب منجزة.. لكنها غير مكتملة
    رغم ما تحقق من توافقات ومخرجات إيجابية، فإنّ التحدي الأبرز الذي برز بعد مرور عام على اللقاء، يتمثّل في غياب آلية مؤسسية فاعلة لمتابعة وتنفيذ هذه المخرجات. وقد انعكس ذلك في تراجع زخم الخطاب التوافقي، وعودة بعض مظاهر التوتر الإعلامي والتصريحات المتشنجة، ما يستدعي تقييمًا جادًا لتجربة العام الأول.

    لذلك، فإنّ استدامة نتائج اللقاء التشاوري تقتضي الانتقال من الحالة الرمزية إلى الحالة التنظيمية، ومن اللقاء العابر إلى المؤسسة الدائمة، التي تضطلع بدورٍ فاعل في إدارة التباينات السياسية والاجتماعية، وتحصين البيت الجنوبي من محاولات الاختراق والتفكيك.
    • نحو تطوير آلية الحوار الوطني الجنوبي
    لكي يُصبح الحوار الجنوبي أداة بناء مستدامة، لا بد من تبني حزمة من الإجراءات التطويرية، لعل أبرزها:
    1. تشكيل هيئة دائمة للحوار الجنوبي، تمثل كافة الأطراف المشاركة، وتُعنى بجدولة الاجتماعات، ومتابعة تنفيذ التفاهمات، وتحديث جدول الأولويات الوطنية.
    2. اعتماد ميثاق سياسي ملزم، يتضمن قواعد السلوك الوطني، وآليات التعامل مع الاختلاف، ويؤسس لمسؤولية جماعية في مواجهة التحديات.
    3. توسيع قاعدة المشاركة لتشمل منظمات المجتمع المدني، والشباب، والمرأة، والنقابات، والكوادر الأكاديمية، بما يعزز الطابع التعددي للحوار، ويمنع اختزاله في النخب السياسية.
    4. إنشاء مركز وطني للدراسات والحوار الجنوبي، يتولى تقديم أوراق سياسات ومقترحات حلول، ويوفّر أرضية معرفية وعملية لدعم مسار الحوار.
    5. إطلاق منصة إعلامية موحدة ناطقة باسم الحوار الوطني الجنوبي، تُسهم في تنمية ثقافة التفاهم، وترد على الخطابات التحريضية الهادفة إلى تشويه مشروع التوافق الجنوبي.
    •  من التفاهم إلى التأسيس
    إنّ الجنوب اليوم، وبعد عقود من المعاناة والصراع، بحاجة ماسّة إلى حوار دائم، لا تحكمه ردود الأفعال، ولا تُديره ضغوط اللحظة، بل ينطلق من رؤى استراتيجية تؤمن أن الجنوب لكل أبنائه، وأن التعدد لا يتناقض مع وحدة الهدف، بل يعززها.

    وإذا كان اللقاء التشاوري للحوار الوطني الجنوبي قد دشّن في مايو الماضي لحظة تاريخية من الإجماع، فإنّ الواجب اليوم هو الحفاظ على هذه اللحظة، وتطويرها، وتحصينها، وتحويلها إلى قاعدة انطلاق متينة نحو مستقبلٍ يتّسع للجميع، ويستند إلى مبدأ: "نتحاور لنرتقي.. ونتفق لننتصر".

المزيد من مقالات (جسار مكاوي)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال