> عصام عبدالله مريسي
قبل أن تضع الشمس شرفتها المكسي بحمرة مائلة إلى الصفار، وتودع تلك الرقعة لتسمح لخيوط الليل أن تتسلل إلى المدينة تكسوها بالسواد، كان أبناء الحي يلعبون بطائراتهم الورقية، يرسلونها إلى الفضاء لتحلق وهم يمسكون بنواصيها بخيوط الصوف، حتى تلبدت السماء بالغيوم، وامتلأ الفضاء بالغبار، وحجبت الرؤية ولم يعد أحد يرى شيئاً والأطفال يصرخون.
تتعالى ضحكات الأطفال وهم يعلقون على صرخات صديقهم قائلين: أنت مسكين، هل صدقت أفلام الكرتون. ليسوا فضائيين إنما هو الخيال العلمي.
تنقشع السحب السوداء وتمسك الرياح عن الهبوب لتوقف عبثها بحبات الغبار التي حجبت الرؤية لبعض الوقت حتى تعاود السماء بالظهور، ويشع بريق الشمس وهي تتوسط كبد السماء.. حتى يملأ الضجيج فضاء المدينة الصغيرة، والصغار يتتبعون مصدر الضجيج فإذا بالفضاء قد حجب برتل من الطائرات التي تجوب سماء المدينة، والصغار يصطرخون: لقد تحولت طائراتنا الورقية إلى طائرات حقيقية.. شيء لا يصدق!!.
يطلق الأطفال ضحكاتهم البريئة على موقف صاحبهم.
يشع الفضاء ببريق الطائرات المحلقة حتى يغدو ليل المدينة نهاراً.. وينأى الصغير الذي رأى الطائرات للوهلة الأولى عن الضوضاء الحاصلة في المدينة، وجموع سكان المدينة تندفع نحو البريق الذي ذهب بأبصار أهل المدينة وهم يتمتعون، حتى صار الهمس ضجيجاً: من أين أتت هذه الطائرات؟
ما زال الصغير يرقب الموقف من بعيد وهو مختبئ في سرداب قديم في المدينة، ومن فوهة السرداب يراقب عن كثب ما يدور، وأصدقاؤه يحلقون نحو الفضاء يرمون الطائرات النفاثة بأبصارهم، ويزداد العجب حين تبدأ الطائرات بالهبوط إلى ساحة المدينة، يتدافع الناس فارين بأنفسهم وهم يصرخون وصرخاتهم ترج أروقة المدينة.
الأطفال ما زالوا في حال اندهاش وحيرة هل طائراتهم الورقية تحولت حقاً إلى طائرات نفاثة محلقة في الفضاء؟!
يرتفع صوت قائد المدينة عبر مكبر الصوت منادياً الصغار: عليكم الابتعاد عن الطائرات الغريبة.
وهو يلوح بكلتا يديه، لكن الغبار المتصاعد عن هبوط الطائرات يحجب الرؤية..