أحلام كثيرة تراود سكان كريتر، وبالذات المطلة بيوتهم على جبل التعكر، المتوسط بين المدينة القديمة والمنطقة المحظورة.
فإما كريتر الكبرى تطل على البحر بلا معاشيق دون حواجز ومتارس وينعم أهلها بالأمن والأمان والرخاء والسعادة والتمتع بالمناظر الخلابة بدون حواجز، أو نتركها لمعاشيق الموت الكبرى كاملة بكل كريتر وما فيها وينزح سكانها إلى الجزر بحثا عن الحياة الآمنة تظلهم سماء ليس فيها رصاص وقذائف وصواريخ معاشيقية..
فدعونا ننام بأمان مثل البشر فقد سرق المعاشيق غمضة العين في ليالي أطفالنا وعكر حياتنا.
في كريتر اتخذت القوى السياسية عبر المراحل المختلفة من المعاشيق، بكل ما فيها من مرافق ومنشآت ومنازل، منطقة مغلقة وممنوعة عن الأهالي، والأبشع من ذلك هو تضرر الأهالي من تداعيات أزمات المنطقة المعاشيقية التي تلقي بظلالها القاتم على منازل الأهالي وحالة الرعب التي تحوم حولهم ليلا ونهارا وهم يتوارون بين الغرف الأرضية والبعيدة عن واجهة الجبل، مخافة أن تصيبهم رصاصات الصراع المعاشيقي أو قذائف المقتحمين والعابرين عبر الأجواء بالصواريخ والطائرات مستهدفين المعاشيق عبر منازل الأهالي، وحظهم العاثر أنهم بجوار الجبل الفاصل بين المدينة القديمة والمنطقة المعزولة عنها.
أياما عصيبة يقضيها الأهالي تحت وطأة الرصاص المعاشيقي المنهمر فوق رؤوسهم وهم في الشوارع والمساجد والممرات، تقلبات وتبدلات للمراحل والمواقف والاتجاهات المعاشيقية سنين بعد سنين والمعاشيق ورواده وبالا على الأهالي، كثيرون آثروا التخلي عن ذكرياتهم الجميلة وتراثهم العريق في كريتر بحثا عن السلامة والأمان رافضين أن يقعوا ضحايا الرصاص المتطاير فوق رؤوسهم ليل نهار، لسان حالهم يقول ليذهب المعاشيق بعيدا عن المدينة وليخرج كابوسه المرعب من مخيلة البراعم والأبرياء في بيوتهم.
كريتر مدينة ارتهن أمنها وسلامتها بالوضع المعاشيقي، لم يعد يفكر الأهالي بالتمتع بالمناظر المعاشيقية وأجوائها الخلابة فلقد تخلوا عن ذلك اضطراريا، فهم فقط يحلمون بتوقف الصراع المعاشيقي المعتمد على التراشق المدفعي والصاروخي والمدينة تجثو من تحته خائفة مذعورة أن يخطئ هدفه فيسقط وسط المدينة المكتظة بالسكان فيسحق جماجم أطفالها الأبرياء.
حرام ما تفرضه الرصاصات المعاشيقية على سكان المدينة وأهاليها الأبرياء البعيدين عن الارتباط المعاشيقي إلا بالنصيب من الدم والدمار، فهلا انتزعتم معاشيق من كريتر ونقلتموه بعيدا عنها وسط البحار أو في عمق الصحراء الكبيرة لينجو أهالي كريتر من رصاصاته وقذائفه المتكررة؟ هل بإمكانكم انتزاع المعاشيق من خلف المدينة ورميه بعيدا؟ فقد صار هذا حلما كريتريا يتمنى أبناء كريتر أن يصحو باكرين مع إشراقة الشمس ليروا البحر خلف الجبل مفتوحا أمامهم لا معاشيق فيه ولا ترسانته وحواجزه وسواتره الحربية الدائمة الوجود وكأننا في سياج حدودي بين المكسيك وأمريكا!
إن لم تتمكنوا من انتزاع المعاشيق وكابوسها الأسود المليء بذكريات الموت والقتال ورميه بعيدا عن مخيلة الأطفال الأبرياء والحياة الكريترية فليس أمامنا في كريتر إلا أن نتخلى عن المدينة القديمة ونتنازل عن نصيبنا فيها ونتركها لإقامة منطقة المعاشيق الكبرى بلا سكان ولا أهالي ولا بشر، ولنرحل إلى أي جزيرة لا معاشيق فيها ولنترك جامع العيدروس وحارة حسين وحي القطيع وشارع الزعفران، ولنتركها مدينة أشباح معاشيقية يقيم فيها القادة والزعماء والوزراء والمسؤولون وكل من له علاقة بالصراع المعاشيقي ولتتسع لهم كريتر المعاشيقية الكبرى لا ينازعهم فيها سكان وأهالي ومواطنو هذه المدينة.
فدعونا ننام بأمان مثل البشر فقد سرق المعاشيق غمضة العين في ليالي أطفالنا وعكر حياتنا.