> عهد فاضل
صعوبة تعلّم النحو في اللغة العربية، حالة يعانيها الكثير من الدارسين أو القراء على حد سواء، وهي ليست ظاهرة جديدة. وبرزت محاولات كثيرة للتقليل من تلك الصعوبة، إمّا من خلال اختصار الكتب النحوية، وإما من خلال تغيير طريقة تعليمها، وإما من خلال حذف بعض الفقرات أو القوانين النحوية أو تعديلها.
النحاة العرب القدامى، كانوا مشغولين بتأصيل النحو والتوسع فيه، باعتباره القوانين التي تكفل سلامة اللغة وتحافظ على كيانها النظري، سليماً صحيحاً وفصيحاً. لذلك لم يكن من السهل على أي من النحاة، القول بصعوبة النحو، إنما عمل بعضهم في ما يسمّى (الاختصار) لكتب النحو. فكان في تاريخ نحو العربية، عشرات الكتب التي حملت كلمة (اختصار) في عناوينها، أو ما يقابلها في المعنى كالإيجاز والموجز.
التطويل والاضطراب والجفاف
هناك جملة عيوب في كتب النحو القديمة، ويجملها الدكتور عبد الوارث مبروك في كتابه (في إصلاح النحو العربي) بـ(الاضطراب) الذي "أنتج ظواهر كانت ولا زالت مصدر صعوبة كبيرة يعاني منها دارسو النحو"، و(التطويل) إذ تعاني "كتب النحو من الطول المفرط الناشئ عن التكرار والاستطراد والحشو"، و(جمود اللغة) لأن "لغة الكثير من كتب النحو القديمة يعيبها ما فيها من جفاف ومبالغة في التكثيف"، و(الجفاف) بسبب "الاكتفاء بالقواعد النظرية المجردة".
وقال خلف بن حيان الأحمر البصري المتوفى سنة 180 للهجرة، في مصنّفه الذي وضعه خاصة من أجل تلافي عيوب كتب النحو، في مقدمة مصنفه (مقدمة في النحو): "لمّا رأيت النحويين وأصحاب العربية أجمعين، قد استعملوا التطويل وكثرة العلل، وأغفلوا ما يحتاج إليه المتعلّم في النحو من المختصر والطرق العربية والمأخذ الذي يخف على المبتدئ حفظه، فأمعنتُ النظر والفكر في كتاب أؤلفه وأجمع فيه الأصول والأدوات، ليستغني به المتعلم عن التطويل". وفي تأكيد لافت منه إلى أن هذا الاختصار سيغني عن المطولات، يقطع بقوله: "فمن قرأها وحفظها، وناظَرَ عليها، عَلِمَ أصول النحو كلّه".
كتاب خلف الأحمر، وغيره، لم ينه مشكلة عيوب كتب النحو، كما سيظهر لاحقاً، إذ استمرّت الظاهرة واستمرت معها الإشارة إلى صعوبة النحو، فصدر كتابٌ يصطدم مباشرة مع النحويين، ووضع أصلا لمعالجة عيوب كتب النحو، وهو كتاب (الرد على النحاة) لابن مضاء اللخمي القرطبي، أحمد بن عبد الرحمن، 513-592 للهجرة.
ومثل الأحمر، صرّح ابن مضاء، بمآخذه على كتب النحويين: "إلا أنهم التزموا ما لا يلزمهم، وتجاوزوا فيها القدر الكافي فيما أرادوه منها، فتوعّرت مسالكها، ووهنت مبانيها، وانحطت عن رتبة الاقناع حججها". ويوضح مقصده من تأليف كتابه: "قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغني النحوي عنه". فيطرح إلغاء (العوامل) و(الحذف والتقدير) مبيناً أنه "لا حاجة إلى تقدير متعلق الجار والمجرور" و "لا حاجة إلى تقدير الضمائر في الصفات" وكذلك "إسقاط العلل الثواني والثوالث" و "إسقاط التمارين" وغيرها.
محاولات إصلاح النحو
وبدأت محاولات إصلاح النحو العربي الحديثة، منذ القرن الثامن عشر، وجميع تلك المحاولات قامت على مبدأ "تبسيط" النحو وتسهيله وتخليصه مما لا حاجة للطالب به، من حشو وإطالة وخلاف بين المدارس النحوية. وكان كتاب المصري رفاعة الطهطاوي (1801 - 1873) للميلاد، والمعروف باسم (التحفة المكتبية لتقريب اللغة العربية) والذي صدر عام 1868م، واحداً من أوائل وأهم الكتب الحديثة التي تم وضعها في سياق إصلاح النحو العربي، باستخدامه "لغة سهلة مباشرة" و "تحاشي الخلافات النحوية" وغيرها.
وكتاب "الدروس النحوية لتلاميذ المدارس الابتدائية" عام 1887م، وتلاه عام 1891م كتاب "الدروس النحوية لتلاميذ المدارس الثانوية". ثم كتاب "النحو الحديث" لمرسي مصطفى الحميدي عام 1929، ثم عشرات الكتب والأبحاث والمقالات التي لا تزال توضع في سياق إصلاح النحو العربي، ككتاب "تحرير النحو" الذي صدر عام 1958م، وكتاب "النحو الوافي" لعباس حسن، و "النحو المصفى" لمحمد عيد.
لهذا ينفر التلاميذ من درس النحو؟ وما هي الحلول؟
ويوجد اتفاق على أن صعوبات النحو العربي ناتجة من "منهاج النحو" ذاته الذي "يرهق المتلقي بكثرة أبوابه وتفريعاته وأبنيته وصيغه الافتراضية التي لا تجري في الاستعمال اللغوي" حسب الدكتورة نجاة عبد الرحمن علي، عميدة كلية التربية في مدينة الطائف السعودية، في ورقتها البحثية التي قدمتها للمؤتمر الدولي الخامس لقسم النحو والصرف والعروض، الذي أقيم في القاهرة عام 2009.
ونقلت علي في ورقتها، أن ما تحتاجه القواعد اللغوية هو "شيء من التنظيم والتنسيق" وعرض المادة "في أسلوب عصري" يخلو من "ما لا حاجة بطلاب العلم به، من التفصيلات والتفريعات والتعليلات"، ومن ثم "إعادة النظر" في قواعد اللغة، و "الاستغناء" عما لا يفيد منها، من خلال ربط قواعد اللغة "بالواقع المعايش"، بدور فعّال "للأسرة" و "وسائل الإعلام" مؤكدة أن "الغالبية العظمى من التلاميذ، ينفرون من الدرس النحوي ويدرسونه بدون حُب واستمتاع"، إذ يتم تدريسهم النحو "بطريقة جافة".
وتطرح بالنقل، التدرج في تعليم التلميذ النحو، وبدءاً من السنتين الخامسة والسادسة الابتدائيتين، واختيار "المنهج المناسب" لكل مرحلة دراسية، و "حسن العرض" و "عدم التكرار والإطناب" و "دراسة النحو بعيداً عن التقعير" واستخدام الفصحى في الدروس، منتهية إلى وجوب "تخليص" المادة النحوية المقدمة للطلاب مما "حشيت به".