اسمها رضية شمشير، رائدة الصحافة النسوية الأولى بالجزيرة والخليج، من اُسرة عدنية يشار لها بالبنان عِلماً ونضالاً، شقيقة الشهيد حيدر شمشير (واحداً من شهداء تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني)، مؤرخة لنضال المرأة في عدن وكل الجنوب.
ربما ليست الوحيدة بين نساء عدن والجنوب واليمن عموماً، التي ما تزال في صومعة الاعتزاز بالنفس قابضة على مبادئها وقناعاتها الوطنية المشرفة كالقابض على الجمر في هذا الزمن الرخو الذي أضحت فيه القيم والأوطان تُباع في أسواق النخاسة وبازار الدولار والريال، فمن حُسن حظنا أن ثمة نساءً كُثر بنفس السجية وبذات الطوية الشمشيرية.
ما زلتُ أتذكر لها رداً شجاعاً عميقاً في إحدى المقابلات الصحفية، قبل سنوات، على سؤال: "بعض الذين شاركوا في الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني اعترفوا بأنهم ندموا، توافقينهم على شعورهم بالندم؟. فكانت الإجابة: "الحقيقة لا نستطيع أن نقول إننا نادمون لأننا طردنا المستعمر من بلادنا".
فلا شيء أروع من أن تكون المرأة بطلة نفسها، وأن تهزم انكسار روحها.. فكبريائها الشمشيري تنبعُ مِن بساطتها، وشموخها ينبثق من تواضعها، وعُـصاميتها تتجلى بجنبات ثقافتها الواسعة وتمكنها من مهنتها الصحفية الرائدة، اعتزازها ينضح من تاريخها النضالي النقابي والعمالي والطلابي المشرف الذي يمتد لعقود، لم تُبطِله بالمنّ والأذى كما يفعل بعض المسوخ من أشباه المناضلين والأدعياء، ولم تُدنّسه في بلاط قصور الحكام، أو تهرقه وتهرق كرامتها الشامخة على عتبات الملوك والأمراء كما يفعل بعض من رفاق الأمس سماسرة اليوم، الذين يصغّــرون أكتافهم بحقارة نظير المال الخليجي والدولار الأمريكي.
تدهشك في بساطة حديثها، وتجد نفسك مشدوها بعمق تفكيرها.. تحدثك عن ذلك المسؤول الذي كان بالأمس في نظرها ونظر الناس هامة وقامة، وصار اليوم أي كلام يعرض تاريخه الذي بات يخجل منه للبيع، كأن جبلاً وصار حصاة تسند جرّة ، قزماً صغيراً يتوسل الصدقات على موائد اللئام.. يخجل من كل شيء إلا مما يفعله بنفسه وبتاريخه وبوطنه من مذلة وخنوع، يشد رحاله كل شهر من عاصمة إلى عاصمة ومن مطار لمطار.
يقال بأن أقصى ما يخشاه الرجال من النساء هو سخريتهن منهم. فكم من قليل أصل باع وطنه وتاريخه من الرجال يستحق السخرية من رضية شمشير ومن غير رضية شمشير؟ يا الله ما أكثرهم وما أبغضهم!.
حتى وهي تشارك الحوار الوطني بصنعاء عام 2014م، كانت نصيرة قوية للقضية الجنوبية، لم تساوم عليها مطلقاً، كما فعل بعض المنسلخين على مؤتمر شعب الجنوب، الذين آثروا اللُقم على القِيم، وباعوا واشتروا بالقضية الجنوبية وانتحلوا اسمها ووقعوا وبصَموا بالعشر على ذبحها من الوريد للوريد في مذبح دولة الستة الأقاليم المزعومة.