يحدد المجتمع الإقليمي والدولي نقطة اندلاع الحرب في اليمن لحظة اندفاع الجماعة الحوثية العسكري جنوباً باتجاه عدن وإسقاطها في مارس 2015، الأمر الذي استدعى قلقه وتشكّل ما بات يعرف بـ «التحالف العربي» تحت قيادة السعودية لدعم شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، وإعلانه عن انطلاق عملية «عاصفة الحزم» العسكرية في نفس اليوم.
ما يكشف أنّ للأزمة اليمنية، التي تجرّ خلفها أذيال أسبابها وعواملها السياسية بأبعادها التاريخية المتعددة، عاملا زمانيا ومكانيا يصعدّها لتصبح على هذا النحو من الخطورة. الزمن أواخر مارس 2015 والمكان العاصمة الجنوبية عدن المطلة على خط الملاحة الدولية. امتلك المجتمع الإقليمي والدولي سعة صبر وهو يغضّ طرفه عن كل ما كان يعتمل شمالاً من أحداث، (انقلاب) الحوثيين العسكري على شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي وإسقاطهم العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 وتمددهم العسكري السريع نحو محافظات الشمال الواحدة تلو الأخرى.
سارع الحوثي المتحالف حينها مع الرئيس صالح وحزبه، خشية خروج الجنوب عن السيطرة وعودته لعهده السابق كدولة جنوبية مستقلة وعاصمتها عدن، نظرا لوجود ثورة شعبية جنوبية هناك (الحراك الجنوبي). هناك حساسية دولية أخرى تتجلى في عمق حضرموت الداخل بصفتها منطقة النفط والثروة، عبّرت عنها مبكراً جميع الأطراف المتحاربة بالتزامها بتحييدها عن الصراع بمعزل عن ظهور الحوثي منفرداً في صدارة المشهد السياسي، فتحالفه حينها مع حزب الرئيس صالح ما زال خفياً لم يظهر بعد، أراد الرئيس صالح في أكثر من مناسبة إرسال رسائل تطمينية للمجتمع الإقليمي والدولي تحاول نفي البُعد الطائفي للأزمة الذي يمثله الحوثي، مؤكداً بعدها السياسي (أول خطاب سياسي وجه الرئيس صالح للرؤساء العرب المجتمعين في قمة شرم الشيخ أواخر مارس 2015)، إلا أنّ محاولات صالح بائت بالفشل، كما باء مصيره بالقتل على يد جماعة الحوثي "الطائفية" في 4 ديسمبر 2017.
في إبريل 2016 تمكنت قوات النخبة الحضرمية من تحرير مدينة المكلا وساحل حضرموت من سيطرة تنظيم القاعدة لينضم تحرر جغرافيا جنوبية أخرى في شرق البلاد كانت سيطرة التنظيم عليها متـآلفة مع سيطرة الحوثيين في الجوار.
ظل أمر تحرير الشمال شأناً شمالياً خالصا تقرره الرغبة الشمالية كما أنّ أمر تحرير الجنوب شأننا جنوبياً خالصا تقرره الرغبة الجنوبية. عودة القلق الدولي على خلفية التداعيات الأمنية للعمليات الإرهابية التي حدثت في العاصمة عدن في أغسطس العام 2019، طردت القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الحكومة اليمنية من عدن واقتربت من لحظة السيطرة على شبوة المحافظة الجنوبية الحدودية مع مأرب الشمالية في سياق مساعيها لتحرير الأراضي الجنوبي وتحقيق استقلال الجنوب، إلا أنّّ ما حدث العكس تماما، فقد انقضت مأرب بقواتها المسلحة على شبوة ودحرت قوات النخبة الشبوانية بقوة وسرعة كبيرتين واتجهت وأسقطت بعدها محافظة أبين المحاذية لعدن، كاشفة عن رغبة في اجتياح الجنوب وعدن لم تبدِ مثلها في الشمال أمام صنعاء القريبة منها التي يسيطر عليها الحوثيون.
على الرغم من توقيع اتفاق الرياض السياسي بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في 5 نوفمبر 2019م إلا أنّ خطر الاجتياح العسكري لعدن من القوات الحكومية القادمة من مأرب مازال ماثلاً حتى هذه اللحظة، بما لا يعبر عن وجود نية ورغبة حقيقية لدى هذه القوات في التوجه إلى مأرب لقتال الحوثيين حسب نص اتفاق الرياض الموقع عليه.