> عوض القيسي
مقر اتحاد الأدباء والكتاب معلم بارز من معالم مدينة عدن، يقع على الشارع المطل على ساحل أبين في خورمكسر. هذا المقر العريق أنشأته الدولة في ثمانينات القرن الماضي. وظل معروفا ولم يجرؤ أحد قط على المساس به. وبعد حرب 94 وما جرى إثرها من سلب ونهب لكثير من المرافق العامة، قام به عتاولة نظام الهالك عفاش، تحامى هؤلاء مقر الاتحاد، ولم يمسوا طوبة منه، لعلمهم برمزيته وأهميته، وأنه دار لكل المثقفين في البلد، حتى المساحة التي خلفه باتجاه البحر لم تصرف لأحد ولم يسطُ عليها أحد في ذلك الوقت.
في عام 2017 تواصل رجل يدعى محمد عبدالله الفقير "البيحاني" بقيادة فرع الاتحاد في عدن، وادعى أنه مستثمر، وطلب تأجير أرضية المبنى التي صارت خالية من البناء ليقيم عليها مشروعا استثماريا. ولدى الاتحاد أصل رسالة الطلب ممهورا بتوقيع "البيحاني". خلال اللقاء حامت الشكوك والشبهات حول عرض البيحاني، فرفضت قيادة فرع الاتحاد العرض.
لكن المدعو "البيحاني" عاد في المرة الثانية بصحبة عدد أكبر من البلاطجة المسلحين ومعدات وعمال بناء كثر، وكان ذلك عشية 14 من أكتوبر 2017م، فهدم واجهة سور الاتحاد المطلة على الشارع، وأنشأ هذا "المستثمر" في أيام قلائل بناء شعبيا يشبه المنازل العشوائية التي تنتشر في عدن كانتشار الأعشاب الضارة في الأرض الطيبة؛ لتخنق الزرع النافع. لم تسكت قيادة الاتحاد عن حقها السليب في وجه هذا النهب السافر لمقرها، فاستنجدت بكل الجهات الرسمية ذات العلاقة من أمن ومكتب الأشغال في مديرية خورمكسر ومكتب المديرية ذاتها، فنزل هؤلاء على الأرض، وتيقنوا من العدوان الحاصل، وتقدم إليهم "البيحاني" بأوراق تحوي معاملات أولية لطلب صرف أرضية من عقارات الدولة في دخل سور مقر الاتحاد، وتخاطبت الجهات الرسمية مع أراضي وعقارات الدولة، فردت الأخيرة بأنها لم تقم بأي صرف لأرضية في حوش مقر الاتحاد وأن الأوراق قد زورها موظفون صغار، وأنهم سيحالون إلى التحقيق.
حاول المدعو "البيحاني" بعد ذلك استمالة جهات الإدارة بالرِشا، لكنه وجد رجالا أقوياء على الحق في زمن قل فيه الرجال، فلما يئس "البيحاني" أوحى له من أوحى من شياطين المخاصمات أن يتجه إلى القضاء الإداري، وأن يقدم دعويين اثنتين، إحداهما على أراضي وعقارات الدولة بإلغاء القرار الإداري المتمثل في "امتناع" هذه الجهة عن صرف أرضية للبيحاني معتبرا أن الامتناع "قرار عدمي"، والدعوى الثانية في القضية عينها ضد مديرية خورمكسر ومكتب الأشغال فيها، وهي قضية تعويض طالب فيها تعويضه عما هُدم من من مبنى مستحدث في مقر اتحاد الأدباء.

وفي الدعوى "الإدارية" زعم المتنفذ "البيحاني" أن موقع الاستحداث لا يقع في حوش الاتحاد وأنه يفصله عن مبنى الاتحاد وسوره زقاق بعرض 8 أمتار. وكانت كل الشواهد تكذبه، الصور القديمة المأخوذة من جوجل إرث التي تظهر موقع سور مقر الاتحاد، والرصيف (الفوتبات) الذي له مدخل واحد إلى مقر الاتحاد، ولا مدخل له إلى موضع الاستحداث الذي يزعم "البيحاني ملكيته".
لنعد قليلا إلى الدعوى الأولى، حاولوا أن تتخيلوا أن يرفع أحد قضية يطالب فيها القضاء أن يرغم أراضي وعقارات الدولة أن تصرف "للبيحاني" ما هو مملوك لاتحاد الأدباء، إنها وقاحة وبلطجة باستخدام القضاء، وطلبٌ من المحكمة الإدارية أن تتعدى ولايتها في حل المنازعات الإدارية، للدخول في الحقوق الموضوعية للناس، وتحليل لعمليات البسط والنهب التي تمت بأحكام تصدر من منصة القضاء. والمؤسف حقا، أن المحكمة الابتدائية الإدارية سمحت لنفسها أن تنظر في نزاع ذي صفة جنائية على حق موضوعي ضاربة بقداسة القضاء واختصاصه النوعي عرض الحائط.
أصدرت المحكمة حكما فيما لا ولاية لها عليه من أملاك اتحاد الأدباء لناهب لا يستحق. وقد تجاهلت محكمة الدرجة الأولى كثيرا من الأدلة والشواهد، ومنها الصور الجوية والفضائية التي التقطت قبل وبعد أن استحدث "البيحاني" دار ضرار في حوش مقر الاتحاد، وقبل وبعد هدم المقر الذي لم يعد صالحا للعمل، وكلها تبين أن استحداث "البيحاني" واقع في أملاك اتحاد الأدباء.