المجاعة هي أخطر الكوارث الطبيعية على وجه الأرض إلا أنها تأتي حسب معطيات التاريخ مقترنة بكوارث الزلازل والفيضانات والحروب، وعدم الكفاءة السياسية التي تؤدي إلى الفوضى الاجتماعية، ويقال إن عشر مجاعات فضيعة تعرضت لها البشرية على مدى تاريخها، وها نحن أمام الرقم 11، إلا أن لدينا نمطاً فريداً من المجاعة ربما يضاف إلى تعريف المجاعات وأسبابها، وهو غياب القيم والأخلاق وعدم مخافة الخالق.

مجاعة ذات طابع سياسي فيه الغاية تبرر الوسيلة، وهذا النمط الفريد ربما يكون موطن جزء من العالم وفق كافة المعطيات، وهي ناجمة عن خلل قيمي وإنساني خاضع، ونتاج مكيدة سياسية غربية لا نستبعد أن تجني حصادها الأطراف التي اعتنت بصنعها ورعايتها حتى بلغت مستويات غير معهودة. نعم هي المجاعة بصيفها بعد أن تعدى سعر كيس القمح ثلاثين ألف ريال، أي متوسط الدخل لمن لديهم مرتبات، وكل الدخل لبعض فئات المتقاعدين في حين أن أعداداً كبيرة من فئة منتسبي القوات المسلحة والأمن حجبت عنهم المرتبات منذ ثمانية أشهر تركيعاً وإذلالاً لا مثيل له في التاريخ.

ندبة سوداء دون شك في تاريخ التحالف العربي لا يمكنها أن تسقط بالتقادم من ذهن الأجيال.
ظلم وقهر صارخ يستحيل على إثرة وخلفية نتائجه بناء جسور الثقة مهما كانت المحاولة والفعل، ولا أحد ينسى تجويع أطفاله، ولا تلك الأجيال التي نشأت تحت وطأة الإذلال والتجويع يمكنها أن تتجاوز الجروح الغائرة التي تظل عميقة في ذاكرتها.

لم نجوع جراء الفيضانات ولا الحرب ولا الظواهر الطبيعية القاهرة بقدر ما جعنا جراء حكمة عدم العقلاء من أبناء جلدتنا جراء عائدات الفساد الماحق، واثر تجاهل الأشقاء ممن توقعنا أن تأتي نجدتهم في أصعب الظروف.
ما يحدث في اليمن عموماً والجنوب خاصة هو نمط من السقوط الأخلاقي والقيمي، بل موت الضمائر التي تتلذذ بجوع أطفالنا وموت شيوخنا تحت وطأة من لا يرحم.

هنا في هذه المدينة الشاطئية (عدن) سعر كيلو السمك بـ 9 آلاف ريال بعد أن تعذر على الصيادين البسطاء الحصول على وقود قواربهم (النفط) الذي هو الآخر من إنتاج أرضنا بسعر 12 ألف ريال.

هكذا أطبقوا حصارهم على المكان، فالعملة الوطنية تهوي كل يوم، وكل السلع والمواد الغذائية الضرورية للحياة لم تعد في متناول تلك التجمعات السكانية الضخمة التي تعيش أسواء بطالة عرفها التاريخ، وأغرب مجاعة من حيث أسبابها، بل أعظم فساد عرفته البشرية، فهل يجهل العالم ما تجري من لعبة قذرة بحق ملايين السكان على أيدي من يفترض أن نكون ضمن نطاق سلطتهم.
وهل يسود الصمت حتى تبلغ أوضاعنا منتهى البؤس والألم في ظل تفشي الأمراض والأوبئة وتردي مستويات التعليم؟ إنها مأساة مروعة تجري بحق أنبل وأكرم شعب.