في تاريخ عدن "الاستعماري" ؛ مذ وطئت أقدام الكابتن هينس تراب عدن في ١٩/ يناير /١٨٣٩م حتى خروج بريطانيا منها، لم تشهد المدينة الساحرة معارك داخلية في شوارعها و أزقتها؛ إلا ما حدث قبيل الاستقلال من حربين أهليتين قصيرتين بين الجبهة القومية و جبهة التحرير كان النصر في الجولة الثانية للقومية بعد تدخل الجيش الاتحادي الذي بنته بريطانيا إلى جانب القوميين وحسم الصراع لصالحهم إيذانا باستلامهم الحكم في٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م.
و قد استغرب الأستاذ الكبير جدا أنيس منصور صاحب "١٠٠ يوم حول العالم" و "اليمن ذلك المجهول" و غيرهما عدة مئات من المؤلفات الفكرية والأدبية والفلسفية والسياسية والترجمات، أن يَرِد اسم عدن على لسان تاجر تايلاندي كان يبايعه في ثمن قلم "باركر" عندما قال الرجل: لن تجد هذا السعر حتى في عدن. لأن عدن حينها كانت أشهر من نار على علم في الخارطة التجارية العالمية، ويكفي أن يشتري المرء ساعة "رولكس" في عدن بأقل من سعرها في بلد الصنع سويسرا .
للأرض والإنسان ذاكرة لا يصيبها العطب، ففي عهد الرئيس السابق تعرضت أراضي عدن وما جاورها لنهب ممنهج لتغيير ديموغرافية السكان، وانتصرت الجغرافيا كدأبها، وما تشهده عدن ولحج وأبين، مذ خروج الحوثيين في العام ٢٠١٥ م، من نهب لأراضي الدولة والملاك أمر لم تشهده هذه المنطقة قط. فهو يتم عيانا نهارا جهارا وعلى رؤوس الأشهاد بقوة النفوذ (الجنوبي هذه المرة) و بقوة المليشيات المسلحة وبلاطجة و أمراء الحرب.
إن بناء الجنوب يبدأ من الحفاظ على أيقونته "عدن" و إرجاعها - قدر الاستطاعة و بنيات صادقة - إلى سابق عهدها، لا أن نضيف أحزانا إلى أحزانها، و يبدأ ذلك "الحلم" من حل معضلة الانفلات الأمني و امتلاك السلاح لكل من هب ودب،
والخروج من نفق الاغتراب الداخلي المهيمن سلوكيا و نفسيا بالانتماء الأضيق لما هو دون الوطن في وقت ترفع فيه الشعارات عن استعادة وطن هو الجنوب.