هكذا هو قطار الموت يأخذ منا ما نريد و يترك لنا ما لا نريد، لكنها سنة الله في عباده، اللهم لا اعتراض على قضائه و دائما إنا لله و إنا إليه راجعون.

لم نكد نرتوي من فيضان حب الأستاذ القدير عبدالله باكدادة الجارف و نبع موهبته الأدبية الفياضة الموقدة بالسعادة حتى فاجأني بالرحيل تاركا في قلبي حرقة و في عيني دمعة و في حلقي غصة.

 التقيت الأستاذ عبدالله باكدادة في جدة قبل ستة أعوام، ثم أدمنت الجلوس معه لنتجاذب أطراف الحديث عن وضع الجنوب و وضع مبدعيه و مثقفيه في شتى المجالات.

 كان صاحب طرح بلاغي متزن و متعقل، و أجمل ما لفت نظري فيه أنه رغم ودية النقاش بيننا إلا أنه كان حريصا على توظيف المفردات و تطويع معانيها.

 كانت أماني الأستاذ عبدالله الثقافية بالذات كثيرة و متنوعة، و في جعبته الإبداعية الحلول لكل الألغاز المستعصية، لكن المنية كانت أسرع من كل أمنية و لا حول ولا قوة إلا بالله.

امتاز الأستاذ عبدالله بفيض مشاعره الأدبية التي صبها في قوالب من مؤلفات ثرية و متنوعة، كان له أسلوب لغوي شاعري بديع مشوق لا ينازعه عليه أحد، و كأنه نشأ و ترعرع في ديار عنترة و امرئ القيس و المتنبي.

 القول إن الأستاذ عبدالله أديب باذخ اللغة، غزير الإنتاج، غني التفرد و التنوع فقط قول سيظل ناقصا ما لم نشر بكل الأصابع إلى إلهامه و خياله الخصب و قريحته الفذة و دهائه في ترتيب الأحداث في تسلسل يفرض إيقاعه في صورة شلالات من الصور البلاغية الجذابة.

 كان الأستاذ عبدالله بوعيه كأديب أريب (حكواتي) نادر يعرف كيف يصهر الحبكة الدرامية ثم يصففها على أرفف حكاياته و كأنه صائغ ذهب ماهر يبهرك و يغريك ببريق و رشاقة طرحه (الحكواتي)..

 أذكر أنه قال لي :

في أقرب فرصة سوف أهديك نسخ كتبي لأن لك أسلوب أدبي في طرحك.

 ذكرني الأستاذ عبدالله أنني استضفته في منزلي ذات مرة عندما كان قياديا في نادي وحدة عدن، و كان يومها ضيفا على مهرجان رياضي كروي، و هو من ترأس وفد نادي الوحدة، ذكريات جميلة لها رائحة العطر.

 وبدون مجاملة لا أستطيع الغوص في بحر الأستاذ عبدالله شاعرا و مفكرا و أديبا، فأنا أولا لا أعرف فن العوم، و ثانيا لأن الإبحار في محيط هذا الأديب الرائع بحاجة إلى زاد و زواد و أمور أخرى يعرفها كل مبدع زامل أو جالس هذا الرجل المبدع حتى النخاع الشوكي.

 عرفنا الأستاذ عبدالله صغارا عندما كان يتحفنا ببرامجه و ندواته الثقافية و أمسياته الشعرية و حفلات السمر الفني عبر تلفزيون عدن في أيام جنوبية سادت ثم بادت.

 الحديث عن إنسانية هذا الرجل و عن حجم عطائه الفني و الثقافي و الأدبي يحتاج إلى كتب و مؤلفات، فمثله لا يمكن أن يسقط من الذاكرة، ستظل كتبه السمان و مؤلفاته الغنية المحتوى و المبتغى فرقدا يضيء دروب الأدب و الثقافة.

 رحم الله الأستاذ عبدالله باكدادة رحمة واسعة بقدر ما قدم لوطنه من عطاء كبير، مبتهلا للمولى عز وجل أن يسكنه فسيح جناته و يلهمنا نحن محبيه الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.