> د. صالح الوالي
هل توجد قضية جنوبية بالفعل أم أنها قضية وهمية؟
> أثارت مقابلة د. رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي مع جريدة الشرق الأوسط ردود أفعال غير مسبوقة من شعب الجنوب العربي التي جاءت بتقديرنا لصرف أنظار الجنوبيين عن خطاب السيد عبدالملك الحوثي باتهامه الولايات المتحدة بعرقلة المفاوضات بين صنعاء والرياض في مسقط. وقبل البدء لا بد من إعطاء نبذة عن مدلول مصطلح القضية الجنوبية الذي كرره د. العليمي ثلاثة عشرة مرة بأن القضية الجنوبية يمنية لترسيخ فهمها دوليا.
- تسمية الجنوب العربي تسمية قديمة وردت بعدة كتب بحكم موقعه الجغرافي في جنوب الجزيرة العربية، أبرزها تبني أبناء حضرموت تسمية الجنوب العربي في مؤتمرهم المنعقد في أندونسيا سنة 1925م.
- وفي 11 فبراير 1934م وقعت في صنعاء معاهدة الصداقة بين بريطانيا والمملكة المتوكلية اليمانية نصت المادة (1) (يعترف جلالة ملك بريطانيا العظمى وإيرلندة والممالك البريطانية خلف البحار وقيصر الهند باستقلال جلالة ملك اليمن حضرة الإمام ومملكته استقلالا مطلقا في جميع الأمور مهما كان نوعها).
- وفي العام 1935م أصدر السير برنارد رايللي المقيم السياسي البريطاني في عدن كتابا "عدن واليمن" آخذا تسمية الجنوب العربي.
- وفي العام 1951م أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين لندن وصنعاء.
- وفي العام 1962م تعدلت التسمية إلى اتحاد الجنوب العربي بعد انضمام عدن للاتحاد.
- وفي العام 1962م أصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض وأعلنت عن انسحابها من المنطقة ومنح الجنوب العربي الاستقلال لا يتجاوز 9 يناير 1968م.
- وفي 14 أكتوبر 1963م أعلنت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، ولم تبحث عن أصل التسمية بأن الجنوب العربي لم يتبع اليمن ولو لومضة أو للحظة واحدة في التاريخ أو كانت هناك شبه روابط من أي نوع قبلية أو مناطقية تابعة من حيازة تاريخية لأي أرض في الجنوب أو دفع الجباية أو الزكاة أو إثارة تثبت أن الجنوبيين يمنيين أو غيرها، أو أن المسألة غير ذلك، أفيدونا بالوقائع التاريخية.
- يحصل الجنوب العربي على الاستقلال في 30 نوفمبر1967 ويُشار إلى هذا اليوم فيما يلي بيوم الاستقلال.
- وفي 30 نوفمبر 1967م، أعلن عن قيام جمهورية اليمن الجنوبية/ الديمقراطية الشعبية (1967/ 1990م).
- وفي 27 أبريل 1994م، أعلن الرئيس علي عبدالله صالح من ميدان السبعين بصنعاء الحرب على شريكه في الوحدة، وأصدرت الفتوى الدينية بتكفير شعب "ج ي د ش" وتم اجتياحها عسكريا وتصفية دولتها ونهب ثرواتها، وعمدت الوحدة اليمنية بالدم وأصبحت الركن السادس من أركان الإسلام.
- ولم يقتصر الأمر على إقصاء الشريك الجنوبي في الوحدة فقط، وإنما إنكار هويته وشعبه وأرضه بمعنى أن "ج ع ي" توحدت مع نفسها ولم تتوحد مع دولة "ج ي د ش" وإنما عاد الفرع إلى الأصل وأن الجنوبيين أصلا ليسوا يمنيين، وأنما هم بقايا صومال وأحباش وهنود وباكستانيين، وأن الأرض يمنية، واذا لم يحبوا البقاء فعليهم مغادرة اليمن وبالتالي لا توجد هناك هوية وأرض وتاريخ وثقافة أخرى غير اليمن الواحد ومن ما هو يمني ما هو عربي.
- وتعرف القضية، بأنها مسألة يتنازع فيها بين طرفين وتعرض على القاضي أو القضاة للبحث والفصل فيها، ومن الناحية الفلسفية يستعمل مصطلح القضية أساسا في إيضاح فكرة ما قد تقبل الصواب أو الخطأ.
- وبالمحصلة مصطلح القضية الجنوبية لا يعني مطلقا المطالبة باستعادة "ج ي د ش" وأنما يعني أن الجنوب كان جزء من الشمال اليمني، وبهذه التسمية فهم المخاطب - المجتمع الدولي والإقليمي- بأن الجنوب جنوب الشمال اليمني وجزء منه وتابع له تاريخيا، وبهذا المفهوم تعتبر القضية الجنوبية مظلومية وعلى المتظلم اللجوء إلى القضاء اليمني، ومن الأمثلة على ذلك استخدام مصطلح الجنوب "ج ي د ش" هل يقع جغرافيا جنوب "ج ع ي" وهل يقع الشمال "ج ع ي" جغرافيا شمال الجنوب "ج ي د ش"؟ مع أن الواقع الجغرافي الجنوب "ج ي د ش" يقع جنوب جزيرة العرب، وليس جنوب "ج ع ي".
لذا يتوجب علينا استخدام مصطلح استعادة "ج ي د ش" لأن المطالبة بحل القضية الجنوبية، أضرّ ويضرر أكثر، لأن المخاطب المجتمع الدولي والإقليمي لا يفهم بأننا نقصد استعادة دولتنا التي اتحدت مع "ج ع ي" وهناك الكثير من المصطلحات والتسميات الخاطئة كالاستقلال وفك الارتباط والإدارة الذاتية وقضية عادلة ومظلومية وإلخ.
ومنذ أن نشبت الأزمة اليمنية (1993/1994م) لم تبعث قيادة الحزب الاشتراكي اليمني في مجلسي الرئاسة والوزراء للجمهورية اليمنية رسالة إلى مجلس الأمن الدولي تطالب باستعادة "ج ي د ش" إلى وضعها السابق استنادا إلى "اتفاق إعلان قيام الجمهورية اليمنية" المودع نسخة منه لدى الأمانة العامة للهيئة وفقا للمادة (102) من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على:
(2) "ليس لأي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة الأولى من هذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة ".
ويسندها رسالة وزيري خارجية الدولتين في 19 مايو 1990م إلى الأمين العام للأمم المتحدة والانتخابات البرلمانية 1993م وفشل المرحلة الانتقالية وحرب 1994م التي تلغي ببطلان اتفاق الوحدة بين الدولتين وقراري مجلس الأمن 924 و930/ 1994م، بالإضافة إلى حق تقرير المصير ومقررات مؤتمرات الأمم المتحدة أبرزها المنعقد في تونس لعام 1993م القاضي بحق العودة إلى الوضع السابق كألمانيا وتشيكوسلفاكيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق وغيرها، لكن القيادات الجنوبية لم تحرك ساكنا، مثال جبهة البوليساريو وهي حركة تحرير ولم يسبق أن كانت دولة، تمسكت بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في أكتوبر 1975م حول الوضع القانوني لإقليم الصحراء الغربية، تطالب بمبدأ حق تقرير المصير، باعتبار الصحراء الغربية إرث عن الاستعمار الإسباني مع أن الأمم المتحدة لم تعترف بجبهة البوليساريو كدولة.
وفي حال أن القيادة الجنوبية السابقة بعثت رسالة لمجلس الأمن تطالب باستعادة "ج ي د ش" لم ولن تستطع دول أعضاء مجلس الأمن أو غيرها الاعتراض لأن جميع الدول موقعة على القواعد القانونية الدولية الملزمة وبالذات حق تقرير المصير والعودة إلى الوضع السابق للدول وما أكثرها القواعد القانونية، الأمر الذي اعتبر مجلس الأمن بأن الحرب اليمنية نزعة انفصالية، علما أنه لا تخلى دولة في العالم من النزعات الانفصالية تقريبا، وهذا الأمر لا يتطبق إطلاقا على اتحاد الدولتين اليمنيين السابقتين.
وتأكيدا لذلك استخدم د. العليمي مصطلح القضية الجنوبية ثلاثة عشرة مرة وهذا ليس اعتباطا، وأنما الهدف منه، كان حرف أنظار الجنوبيين واستفزازهم لتغطية عن ما كشفه خطاب السيد عبدالملك الحوثي حيث قال في الفقرات التالية (1)"هذه رؤيتنا لحل القضية الجنوبية وموعد ذلك". (2) كشف الرئيس رشاد العليمي عن رؤية قيادة المجلس الرئاسي "لحل القضية الجنوبية". (3)"وقال العليمي، إن "القضية الجنوبية" "قضية عادلة" ". (4)"لكنه قد لن يكون مناسبا مناقشة حلولها الآن ". (5)"وأشار إلى أن هناك ضمانات إقليمية بوجود حل عادل لهذه القضية". (6) وأضاف الهدف الثالث يعتبره الرئيس "رئيسيا ومهما " ويتمثل في "تؤمن تماما بأنها "قضية عادلة". (7) والحديث "عنها" في هذه اللحظة أو النقاش. (8) "حلها" في هذا الوقت قد يكون غير مناسب". (9) ويقول العليمي "عندما نستعيد الدولة، سنضع كل شيء على طاولة الحوار والنقاش، ونضع المعالجات بالحوار وليس بالعنف أو الفرض". (10) ويقول الرئيس إن معالجة القضية الجنوبية يجب أن تكون في إطار حلول النظام السياسي، مضمون الدولة، وشكل النظام السياسي المستقبلي". (11)"إذ قال العليمي" يجب أن نتأكد أن هناك ضمانات إقليمية، الأخوة الجنوبيون يقولون أحيانا ما هي الضمانات؟ (12) ونحن نقول هناك ضمانات إقليمية لحل القضية الجنوبية وفقا لهذا الإعلان. (13) وبالتالي عندما يقال هذا الكلام فهو يشكل ضمانا رئيسيا لحقوق جميع الأطراف" (24 فبراير 2023م).
وأنا هنا لست بصدد الرد أو التعليق على المقابلة، لأن ردة فعل الجنوبيون كانت فوق كل التصورات والاعتبارات والحسابات السياسية، لأنه وضع رئيس الدولة نفسه في موقف بالغ التعقيد، في أوضاع داخلية وإقليمية ودولية ويكفي مخاطبته "الأخوة الجنوبيون".
وفي ضوء ذلك نعرض خطاب السيد عبد الملك الذي اتهم "الولايات المتحدة بالسعي لعرقلة مفاوضات جارية بوساطة سلطنة عُمان بين جماعته والمملكة العربية السعودية، أولها محاولته (الأمريكي) إبعاد التحالف عن أي التزامات تترتب على أي اتفاق، وتحويل المسألة على أنها مسألة داخلية بحتة وهذا لا يمكن القبول به أبدا” وحاول(الأمريكي) عرقلة الاتفاقات عبر نقطة المرتبات واستحقاقات شعبنا من ثروته الوطنية، في إشارة إلى النفط والغاز اليمني" و "يلعب لعبته مماطلته في مسألة انسحاب القوات الأجنبية من البلد ويحاول أن تكون هذه الخطوة مؤجلة إلى أجل غير مسمى" ولا يمكن أن نقبل باستمرار الاحتلال ووجود القوات الأجنبية في بلدنا وهذه مسألة جوهرية وبأنه المشرف عليه أساسا على سير المفاوضات، رأي اليوم 23 فبراير 2023م.
والأمر الثاني، رفض السيد محاولة تحويل الحرب إلى مسالة داخلية، كالقضية الجنوبية من حرب دولية إلى مسألة داخلية بحتة.
أما مسألة تأجيل انسحاب القوات الأجنبية من اليمن، يقصد بالقوات المتواجدة في الجنوب لأن تأجيل انسحابها ربما قد يبرر حجج بأنه كان لها صفة ما لشرعية استدعائها.
وفيما يتعلق بالمجلس الانتقالي فقد اتخذ قراره بتشكيل وفد مستقل ليتفاوض على حل القضية الجنوبية "الوهمية" في صنعاء، لأن حكومة المناصفة والشراكة رفضت أن تشكل وفدا مشتركا معه بحسب اتفاق الرياض لعلمها اليقين أنه بعد اتفاق صنعاء والرياض لن تكون هناك مفاوضات إلا لترتيب مناصب للجنوبيين كاتفاق الوحدة.
أو ربما يعتقد الانتقالي أن الأمم المتحدة ستعدل المرجعيات الثلاث كما يطالب، ومع ذلك نسأله ما هي رؤيته لخارطة الطريق؟ ويجب ألا ينسى أن مؤتمر شعب الجنوب انسحب من مؤتمر الحوار الوطني عندما تأكد له الالتفاف على القضية الجنوبية وهو مؤتمر له برنامج، وليس تفاوض.
ويتضح من ذلك أن ليس لدى قيادة الانتقالي أي فكرة أو رؤية لاستعادة الدولة، غير ثقافة الشعارات الرنانة على غرار كل الشعب قومية والحزب ضمير وعقل الشعب اليمني والقضية الجنوبية قضية عادلة.
وتأسيسا على ذلك، فأنني أكرر الدعوة للأخوة الأستاذ/ عبدالرحمن الجفري، د. محمد حيدرة مسدوس، المناضل حسن أحمد باعوم، د. عبدالرحمن الوالي، الأستاذ هاني هشام باشراحيل أن يبعثوا رسالة إلى مجلس الأمن استنادا إلى القانون الدولي يطالبوا باستعادة "ج ي د ش" الجنوب العربي الذي حصل على استقلاله من الدولة الأصلية بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م مع حملة توقيعات شعبية لشعب الجنوبي العربي.
وفي الأخير أود أن أنوه بأنني لست ضد المجلس الانتقالي أو أي فصيل حراكي جنوبي آخر، أو شخص ما بعينه فالقضية الوطنية المتمثلة باستعادة دولة "ج ي د ش" ليست محلا للتسويات والتجارب الفاشلة والآن بعض القيادات الجنوبية تقول بأنها يمارس عليها ضغوطات إقليمية ودولية.
وفي هذه الحالة ننصح القيادات الجنوبية التي تطالب بحل القضية الجنوبية في صنعاء أن تتنحي جانبا عن فرض نفسها لتقف أمام تطلعات شعب الجنوب العربي باستعادة دولته، سواء تعلم أو من دون لا تعلم إنها تنفذ أجندة خارجية لاحتلال الجنوب وتقسيمه ونهب ثرواته.
فاستعادة دولتنا لا تأتي بالتسويات ولا بقرارات مجلس الأمن ولا بالدعم المالي والعسكري الخارجي ولا بالضغوطات والوعودات والضمانات الإقليمية الكاذبة ولا بالتذرع بالأوضاع الإقليمية والدولية بأنها غير مواتية ولا بالتحلي بالصبر والحكمة والمرونة والتكتة السياسية وبالبروجاندا الإعلامية إلخ، فكل هذا كذب وهراء حتى لو أصدر مجلس الأمن مائة قرار باستعادة دولتنا فلن يصدق وخير مثال القضية الفلسطينية أصدر أكثر من (131) قرارا ولم ينفذ قرارا واحدا.
وبالمحصلة لن يستعيد دولتنا إلا شعب الجنوب العربي فقط ولا غير، وخير مثال أنصار الله لا قرارات مجلس الأمن ولا التدخل العسكري العربي ولا مساندة ودعم المجتمع الدولي ولا حرب ثمان سنوات ولا حصار بري وبحري وجوي أعاد الشرعية إلى صنعاء وبالمحصلة انتصر أنصار الله لإيمانهم بإرادتهم وتنظيم أنفسهم خلف قيادة صادقة وقوية وحكيمة واستعادوا حقهم التاريخي وفرضوا إراداتهم على المجتمع الإقليمي والدولي.
وإن غدا لناظره لقريب.
والله من وراء القصد