الشطرية مصطلح دخيل على مجتمعاتنا وهي مصطنعة كمفردة سياسية تم أصباغها على دولتين متجاورتين بنظامين مختلفين.
و الدفع بهذا الاتجاه لا يخدم إلا قوى معينة تحكمت لعقود بتلك الفكرة و أخضعت الشعبين الجارين غصبا للاعتقاد بها و تصويرها أنها من طبيعة واحدة. والمملكة المتوكلية اليمنية عملت على ترسيم حدودها المحاذية للمملكة العربية السعودية ممثلة باتفاق الطائف عام 1934م وهي معروفة بذلك. لذلك ؛ من يقول بأن الجنوب بسلطناته و مشيخاته وعدن والجزر في جغرافية الجنوب تعود لليمن فقد مصداقيته و هو يريد استمرار تكريس الأخطاء السابقة و فرض الهيمنة ولو بالقوة. وهو ما أدى بالأمام في محاولات متكررة لاحتلال وإخضاع الجنوب لسلطاته آنذاك وقد واجه مقاومة ورفض لوجوده فعاد أدراجه إلى بلاده.
ولما جاء المستعمر البريطاني لاحتلال عدن واستخدمها كمحطة عبور لناقلاته و صادراته و بناء قاعدة عسكرية كبرى في المنطقة و العالم وتزويد بريطانيا بالفحم فقد دخل في عدة اتفاقيات وثقها الأرشيف البريطاني و يشهد التاريخ بذلك. مع السلطنات و المشيخات التي تحيط بعدن أو تلك التي تبعد عن عدن لتأمين وجوده في مقابل مالي يتم دفعه للسلطان أو الأمير أو الشيخ وهي موثقة و معروفة.
فأي إنتاج لخلط الأوراق في هذا الملف هو مردود فهي اسبقيه و مرجعية تاريخية و قانونية ودليل على عدم صحة الشطرية و الوحدة و أن الجنوب فرع للشمال رغم أن الجنوب العربي أكبر مساحة من اليمن لامتلاكه و تميزه بأكبر شريط ساحلي فيه. وعليه ، فالادعاء كذبا وزورا أو الإشارة إلى أن اندماج النظامين و الجيشين و توحيد الجيش !! عن طريق وثيقة اتفاق الوحدة بين النظامين في الجمهوريتين وبطريق اندماجي وفوري و انه عمل على إذابة الشخصيتين الاعتباريتان للنظامين الحاكمين والمؤسسات التي تخضع لهما ، هو بالضرورة لا يعد دليلا على وحدة اليمن.
وقد بقيت الحدود كما هي متعارف عليها بين الدولتين رغم إصدار قانون التقسيم الإداري الذي حاول عبثا العمل على تغيير الواقع السكاني و الديموجرافي وهي عملية ضم وإلحاق غير قانونية لأنها أخلت بالتركيبة السكانية في دولة الجنوب و سهلت إخضاع مناطقه لنظام الجمهورية العربية اليمنية بغير وجه حق. فقضى على التنمية و البناء والعوائد المالية مما خلق تفاوت كبير بين المناطق الحدودية بفعل ذلك وخلق بطالة مقنعة والاستيلاء على الأراضي عبر تنفيذ عمليات اصطناع أوراق يتملك بموجبها أراضي و ثروات و بسط نفوذ لقوى الاحتلال اليمني على أراضي الجنوب.
فللكل شرعة و منهاجا والاستدلال بالشطرية و الوحدة هو بطبيعة الحال استدلال فاسد و عدمي. وأما ما تغنى به الشعراء عن الوحدة في قصائدهم فهي مجرد شعور وجداني و عاطفة تعبر عما يجيش بدواخلهم لكنها ليست الحقيقة المجردة ولا طبيعة الجغرافيا و لا يجب أن تكون الشعارات الطنانة و الحزبية هي وثيقة قانونية ملزمة بل هي مجرد عاطفة جياشة حملتها أقلام وأفواه الشعراء و الكتاب و الأدباء. أما الوثائق فهي تستند على جغرافيا الأرض و السوابق التاريخية و القرائن و طبيعة الأرض و لغة أهل البلد و ثقافة كل منطقة وأين تقع. وهي جهات محددة.
وما تحمل الأرض أو تختزن في باطنها من ثروة فهي حدود مسجلة و موثقة و فيها العديد من الإشارات التي تؤيد تلك الدلائل و تؤكدها. والوحدة اليمنية وقت إعلانها والتسابق عليها ، أيدها العرب و المسلمين ابتهاجا بها كحدث افتقدوه و كان مطلوبا لكن في حينه. لكنهم لم يقبلوا به كفرض أمر واقع وبالقوة العسكرية و تحطيم الحلم بالوحدة العربية باحتلال الجنوب و خاصة عدن.