لا تثريب علينا أن نحزن، مع لا اعتراض لنا على مشيئته تعالت قدرته ونحن إزاء الرحيل المحزن للعولقي الكبير الشيخ محسن بن محمد بن فريد المؤسس للرابطة في طورها الثاني على خطى أهله الكرام ومع رفيق دربه المناضل الكبير السيد عبدالرحمن بن علي الجفري في النضال الرابطي الصعب من الداخل والخارج من أجل أن ترسو سفينة الرابطة في موانئ الجنوب العربي الموعود بكثير من النضوج السياسي والرصانة المعهودة عنهم بعيدا عن بيع الوهم.

لقد رحل الشيخ محسن المثقف والسياسي الذي لا تغير صفاء نفسه الخلافات والمماحكات، ولا تثنيه عن مبادئه العميقة تقلبات حياة أو عصف رياح، تظل السجية هي السجية لمحسن لا يحيد عنها أو يزوغ، فظل قابضا بل عاضا بنواجذه على منهج النضال الوطني للرابطة، دون فجور في الخصومة السياسية أو عند الاختلاف مع الآخر، وفي الوقت ذاته لا تفريط أو تنازل أو تراجع عن المبادئ عند حضور ذهب المعز أو سيفه.

إنني أشعر أن ثقل الرحيل -رحيل محسن- وفداحة رزء المصاب ستكون شديدة جدا على رفيق دربه المؤسس رئيس الرابطة السيد عبدالرحمن بن علي الجفري بمقاييس المراحل الطويلة من الرفقة النضالية التي لم تنقطع يوما ولم تصب بداء الكيد السياسي والتربص الحزبي التي أصابت الجنوب وقواه الحاكمة مذ الثورة والاستقلال حتى اليوم، وهو درس في السياسة والتاريخ ينبغي استلهامه من تجربة الرابطة لأجل أجيال اليوم.

وإذا كان لنا بد من الوقوف إزاء سفر من أسفار النضال الوطني بكور العوالق وشبوة البطلة، فإن هذا البيت تحديدا ومنه الإنسان الرائع والراقي الشيخ محسن بن محمد بن فريد العولقي -رحمه الله- كان القدح المعلى من النضال الوطني ومن ثم المعاناة والألم النبيل لرجال أفذاذ تلقوا قصف الطيران البريطاني بعزيمة الثوار ورباطة جأش المجاهدين وكانت أحداث الكور درسا في التاريخ -أيضا- لم يدرس لأجيالنا بعدُ وحتى الآن.

إن الشيخ محسن امتداد لذلك الإرث الوطني لرابطة أبناء الجنوب التي كانت السفر الأعظم والأكبر في تاريخ الحركة الوطنية في بلادنا، حيث خرجت من عباءة الرابطة وجوه الحركة الوطنية في الجنوب من أقصى اليسار إلى اليمين وهي حالة تاريخية لم تحض بالدراسة المتعمقة لفهم كنه الرابطة وخباياها الإنسانية التي أفرزت وضعا كهذا.

لكن هذا السر قد يفصح عن نفسه منذ الوهلة الأولى حين يكون على رأس الرابطة الأم (1949م) رجل أسطوري وعملاق بكل معنى الكلمة ويفيض عن الاحتياجات الوطنية المحلية ليصل إلى أفق عربي وإسلامي أوسع وأعني -بلا جدال- السيد محمد علي الجفري إلى جانب زملائه ورفاق دربه الكبار والكثار (بمقاييس الكثرة في الفرد الواحد قبل الكثرة العددية التي قد تكون كغثاء السيل أحيانا) أمثال السلطان الثائر علي عبدالكريم والصافي وشيخان وابن عجرومة وغيرهم وغيرهم.

رحمة الله واسعة على الشيخ محسن بن محمد بن فريد العولقي وأسكنه ربي فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.