> واشنطن "الأيام" العرب اللندنية:

يرى محللون أنه بينما تشن إسرائيل هجومها على رفح على حساب الرهائن ومكانتها الدولية، أثبت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مرة أخرى أن هدفه الأساسي يتلخص في ضمان بقائه السياسي من خلال تلبية احتياجات اليمين المتطرف.

وقال نتنياهو إن الهجوم على رفح هو المفتاح لتحقيق النصر الكامل، لكن بعد ما يقرب من ثمانية أشهر من الحرب، تواجه إسرائيل مستنقعا في غزة وتصاعد العنف في الضفة الغربية وحربا وشيكة مع حزب الله.

وقُتل أكثر من 35.000 من سكان غزة، وانهار النظام الصحي، ويواجه نصف السكان مستويات كارثية من الجوع وتحول جزء كبير من قطاع غزة إلى أنقاض. وستتكلف إعادة الإعمار حوالي 40 مليار دولار وقد تستمر حتى عام 2040، كما أنه من غير الواضح من سيمول مشروع إعادة الإعمار لأن معظم الدول العربية رفضت صراحة المشاركة في أي خطة ما بعد الحرب لغزة ما لم تؤد إلى إقامة دولة فلسطينية.

ويرى كيلي الخولي، مدير العلاقات الدولية في مركز الشؤون السياسية والخارجية (CPFA) في تقرير نشرته مجلة ناشيونال أنتريست الأميركية، أنه نظرا للكارثة الإنسانية التي تتكشف فصولها، وتفشي الفوضى والافتقار إلى خطة قابلة للتطبيق لليوم التالي، ستتمكن حماس من تجنيد المقاتلين وإعادة فرض سيطرتها على القسم الأعظم من غزة.

وتعيد حماس بالفعل تجميع صفوفها في شمال غزة (جباليا) وفي مناطق أخرى كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن تطهيرها قبل أشهر. ويقول الخولي إن تجاهل إسرائيل الصارخ للقانون الإنساني الدولي يتم تأطيره باعتباره ضرورة مؤسفة لهزيمة حماس، في حين أن ذلك يشكل في الواقع خطرا إستراتيجيا.

وتعتبر عودة طالبان إلى أفغانستان أو صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بمثابة تذكير مؤلم بأن المنظمات الإرهابية تعود إلى الظهور باستمرار ولا يمكن هزيمتها بالسبل العسكرية وحدها، إذ إن أي عملية ناجحة لمكافحة التمرد تتطلب دعم السكان المحليين وإستراتيجية متماسكة طويلة المدى تعالج القضايا الأساسية وتمنع نشوء فراغ في السلطة.

وعلاوة على ذلك، فإن الصور الوحشية القادمة من غزة تعمل على تأجيج الغضب في الشارع العربي وتهدد بتعريض اتفاقيات السلام الإسرائيلية مع مصر والأردن للخطر. وتخشى القاهرة أن يؤدي الغزو الشامل لرفح إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الذين لن يتمكنوا من العودة. ورغم أن مصر نجحت في احتواء التمرد الإسلامي في شبه جزيرة سيناء، فإن أي حالة من عدم الاستقرار في المنطقة قد تؤدي إلى عودة ظهور المنظمات الإرهابية.

ويرى الأردن أن التهجير القسري للفلسطينيين إلى أراضيه خط أحمر وتهديد لأمنه الداخلي. ومع وجود أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني يعيشون بالفعل في أراضيها، تواجه عمان احتجاجات منتظمة تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل. ومن المرجح أن تتزايد هذه الاحتجاجات إذا استمر الوضع في الضفة الغربية في التدهور.

وفي ظل ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف، كان هناك ارتفاع في عنف المستوطنين، والذي تفاقم بسبب هجوم حماس في السابع من أكتوبر. وكان عام 2023 هو العام الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وارتفع الدعم للمقاومة المسلحة، التي يُنظر إليها على أنها ضعيفة وغير فعالة وفاسدة، إلى عنان السماء.

وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى إيران على أنها نصيرة القضية الفلسطينية وتستخدم وكلاءها لإثارة الاضطرابات في المنطقة. ونجح نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بمساعدة حزب الله وغيره من الميليشيات المدعومة من إيران، في تحويل سوريا إلى واحدة من أكبر دول المخدرات في العالم.

وقد أدى ذلك إلى انتشار شبكات الاتجار في جميع أنحاء المنطقة التي تم إنشاؤها بمساعدة مختلف المنظمات الإجرامية والميليشيات والجماعات الإرهابية. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، استخدم الحرس الثوري الإيراني هذه الشبكات لتهريب الأسلحة الصغيرة إلى الضفة الغربية على أمل إشعال انتفاضة ثالثة. ومنذ السابع من أكتوبر، حاولت إيران تهريب المزيد من الأسلحة المتطورة، بما في ذلك الألغام المضادة للدبابات وقاذفات القنابل اليدوية والمتفجرات المختلفة، عبر وكلائها إلى الأردن، لزعزعة استقرار الحكومة الأردنية.

وهددت كتائب حزب الله، الوكيل الأكثر أهمية لإيران في العراق، بتسليح 12 ألف مقاتل في الأردن لدعم المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. كما أحبطت السلطات الأردنية مؤخرا مؤامرة لميليشيات مدعومة من إيران في سوريا لتوفير أسلحة لخلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن لتنفيذ أعمال تخريبية.

ومنذ الثورة الإسلامية عام 1979، استغلت إيران الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والعداء الإقليمي تجاه الولايات المتحدة لتقديم نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي. واغتنم الحرس الثوري الإيراني بصبر ومهارة فرصة الفوضى الناجمة عن الحروب المتعددة والتوترات الطائفية المتزايدة لتنمية محور المقاومة.

ومن خلال ملء فراغ السلطة في العراق ودعم نظام الأسد في سوريا، أنشأت إيران جسرا بريا مع حزب الله اللبناني، مما يسهل نقل المقاتلين والمعدات إلى وكلائها. وأصبحت السياسة الخارجية الإيرانية أكثر عدوانية بعد أن عززت الفصائل المحافظة المتشددة سلطتها في عام 2021. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني واغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، تم تهميش الفصائل الإصلاحية والمعتدلة، مع وجود العديد من أعضائها، ومنعوا من الترشح للانتخابات، بمن فيهم الرئيس السابق حسن روحاني.

ومنذ فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية عام 2021، قام النظام بتشديد قوانين الأخلاق وشن حملة قمع عنيفة على الاحتجاجات المناهضة للحكومة، مما أدى إلى توسيع الفجوة بين الدولة والمجتمع. وفي خضم الخلافة الوشيكة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ستؤدي وفاة رئيسي المفاجئة إلى صراع شديد على السلطة، لكن من غير المرجح أن تخفف السياسة الخارجية الإيرانية.

وبدلا من ذلك، قد يقرر النظام تسليح برنامجه النووي لضمان بقائه في الوقت الذي يواجه فيه انعدام الأمن الداخلي والأعمال العدائية الإقليمية. وعلى مدى الأشهر الثمانية الماضية، اشتدت حرب الظل بين إيران وإسرائيل عبر ساحات متعددة، وخاصة على طول الحدود الإسرائيلية – اللبنانية. وأدت الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل إلى إجلاء حوالي 150 ألف مدني على جانبي الحدود.

وتبدو إسرائيل عازمة على شن هجوم عسكري في جنوب لبنان لدفع قوات حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني من أجل تأمين حدودها الشمالية والسماح للمدنيين بالعودة إلى ديارهم. وعلى الرغم من أن حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، يشعر بالقلق من مواجهة شاملة مع إسرائيل، إلا أنه لا يستطيع أن يبدو ضعيفا في مواجهة أي هجوم إسرائيلي.

ومنذ حرب لبنان عام 2006، اكتسب حزب الله خبرة في القتال من الحرب الأهلية السورية وقام بزيادة ترسانته بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، فإن حزب الله هو حليف إيران الأكثر قيمة في المنطقة ويلعب دورا مركزيا في محور المقاومة.

وإذا اندلعت الحرب، فمن المرجح أن يحشد الحرس الثوري الإيراني قواته ووكلاءه للدفاع عن حزب الله، وهو ما من شأنه أن يجعل حربا إقليمية أوسع نطاقا أمرا لا مفر منه. وحتى الهجوم المحدود يهدد بزعزعة استقرار لبنان بالكامل، حيث تواجه البلاد جمودا سياسيا، وانهيارا اقتصاديا، وتجدد التوترات الطائفية. ويقول الخولي إن كل القضايا التي ابتلي بها الشرق الأوسط لعقود من الزمن قد بلغت ذروتها في وقت واحد. وفي مثل هذه البيئة المتقلبة، من الوهم الاعتقاد بأن أي شخص يمكنه السيطرة على المزيد من التصعيد أو إيقافه لفترة أطول.​